أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أوردغان ومقاطعة ندوة دايفوس ... زهير الخويلدي

" ومنهم أهل الكبر والمنافسة فيجب على المرء أن يقابلهم بمثله لأنه إن تواضع أحسوا منه بضعف وتوهموا أن فيه لينا وأن فعلهم ذلك صواب"


أبو نصر الفارابي- رسالة في السياسة


مرة أخرى يصنع أوردغان الحدث في دايفوس ويقول للعالم أن حضارة اقرأ لم تنته وأن فيها رجال يثأرون لرموزها وقيمها وينتصرون لشعوبها ويدافعون على حقوقها ويرفضون استبدال الوقائع المخجلة بالأكاذيب البراقة والتستر على الجرائم والتنصل من المسؤولية في اختطاف التاريخ واغتصاب الجغرافيا، ومرة أخرى يصنع العرب الحدث بوقوعهم في التسلل وملازمتهم الصمت ورضاهم بما يمنح له من جرعات مخدرة ومسكنات مؤلمة وينسحبون من الركح السياسي العالمي ويخلفون الفراغ والحيرة ويؤثرون المتاهة والدبلوماسية الهادئة.
احتجاج رئيس الوزراء التركي وأحد أبرز زعماء "حزب العدالة والتنمية" على كلمة الرئيس الإسرائيلي بيريز وتعليقه على تصفيق الحاضرين على ما جاء فيها من تنصل من مسؤولية عن المحرقة التي جرت في غزة والتي دونتها عدة قنوات فضائية بالصورة والصوت هو انتفاضة حقيقية من أعلى هرم سياسي إسلامي في الآونة الأخيرة وتحذير إلى الدول الغربية بوجود خطوط حمراء لا ينبغي أن يتخطاها القوة العسكرية مهما عظمت واشتدت ودعوة من أجل الاحتكام إلى القيم الكونية واحترام سيادة الدول وخصوصياتها الثقافية وأواصر القربى التي تربطها ببعضها خاصة وأن ما يصل بين تركيا وفلسطين هو أكبر بكثير مما يربط بين تركيا وإسرائيل والغرب بصفة عامة.
الرئيس شمعون بيريز تكلم بصوت مرتفع وذكر أن الجيش الإسرائيلي لم يبدأ بالهجوم وأن الحرب كانت دفاعية وأن دولته تمتلك حق الدفاع عن نفسها ضد الصواريخ الفلسطينية التي تمثل تهديدا لأمن شعبه وسلامته وهو ما أثار غضب أوردغان الذي فهم أن الكلام موجه إليه وأن نظرات بيريز كانت مركزة عليه وأنه يرد على تصريحات سابقة له حمل فيها الكيان الغاصب مسؤولية المحرقة في غزة وبرأ حماس والمقاومة ولما حاول أوردغان الرد على هذه الاتهامات غير المباشرة منعه رئيس الجلسة بطريقة غير حضارية مما جعله يغادر القاعة ويدلي بتصريح للصحافة قال فيه أن سن بيريز المتقدم لا يتوافق مع تحمس وتكلمه بصوت عال وهو ما يعني أن هناك إحساس بالذنب في داخله مما جرى في غزة وقد ذكره بما جاء في التوراة من رفض للقتل ومن عدم احترام إسرائيل لقاعدة: "لا تقتل".
من المعلوم أن أنقرة استقبلت وفد من حركة حماس وحذرت إسرائيل من مغبة الهجوم على غزة وسعت إلى إيقاف المحرقة عندما قام أوردغان بجولة مكوكية في عدة بلدان عربية وتدخلت شريكا في المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار وفك الحصار وأدخلت إليها تعديلات مهمة تتماشى مع بعض من مطالب المقاومة وحضرت قمة الدوحة المناصرة لسكان القلعة الغزاوية والتي حضرتها لأول مرة قيادات فصائل الممانعة إلى جانب رؤساء عرب ومسلمين وغاب عنها عباس وحكومة رام الله.
كل ذلك ربما يكون قد أغضب إسرائيل وهو ما جعل بيريز ينتقد بشكل تلميحي الموقف التركي المنحاز إلى العروبة والإسلام والرامي بعرض الحائط المصالح المادية التركية من جراء العلاقات مع إسرائيل والذي ربما يؤدي إلى تجميد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ويعطل مشروع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ويفسد علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية ويحرك ضدها اللوبي الصهيوني في العالم ويحرض على نظامها السياسي من جهة ملف إبادة الأرمن أيام الحقبة العثمانية وكل هذا قد يأتي في ظل تحركات فرنسية عسكرية بحرية في المنطقة وضغوطات يمارسها ساركوزي على دول الاعتدال العربي.
إن ما أقدم عليها أوردغان هو مفخرة للعرب والمسلمين وخطوة في اتجاه الحضاري الصحيح ويعبر عن مطالب الشعب التركي التي ترجمتها التظاهرات الغاضبة المليونية المناصرة لسكان غزة زمن المحرقة في كافة المدن التركية تقريبا وبشكل يكاد يكون يومي.انه انتصار كبير للقضية الفلسطينية العادلة في قمة دايفوس ولكن هذه المرة ليس بقرار عربي بل بعزيمة تركية إسلامية صادقة.
في الواقع لا خوف على تركيا فشعبها حي وديمقراطيتها تمضي نحو الأمام وريادتها للمنطقة واضحة للعيان وإصلاحاتها السياسية في ظل العدالة والتنمية قد أعطت أكلها وحقق اقتصادها أعلى النتائج وتنظيمها الإداري يتميز بالعقلانية والشفافية وهي قد باتت من الأمم التي يقرأ لها ألف حساب ولكن الخوف كل الخوف هو على المصير المجهول للشعوب العربية في ظل سياسات غير حكيمة.
إن ما نستغربه نحن الكتاب والمثقفون هو موقف عمر موسى الأمين العام للجامعة العربية الذي يتقن لغة الحوار الدبلوماسي ولا يحسن اتخاذ قرارات شجاعة تعبر عن مواقف الأغلبية من الدول التي تكون الجامعة التي يديرها وطموحات الشعوب التي تنضوي تحت هذه الدول، وما كان عليه أن يفعله هو أن يحتج ويغادر القاعة ويساند رئيس الوزراء التركي عوض أن يظل جالسا في المؤتمر إلى جانب الرئيس الإسرائيلي، فهل هذا تلميح منه بأن التطبيع والاعتراف بالكيان الغاصب على الرغم من نزوعه نحو العدوان وتميزه بالمنهجية الحربية هيكليا هو القرار الأول والنهائي للنظام السياسي العربي؟ ألا يمكن أن يتخلى العرب عن منطق "من كان بيته من زجاجة فلا يقذف المارة بالحجارة" وأن يقتدي بأسلوب العدالة والتنمية الواقعي النقدي في التعاطي مع السياسة الخارجية؟

كاتب فلسفي

(95)    هل أعجبتك المقالة (94)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي