كثيره هي الكلمات والمصطلحات التي نستعملها بداع وبغير داع وتلاك في الافواه صباح مساء حتى تفقد كل طعم وقيمة تماما كقطعة من معجون التبغ والافيون الذي كان يستعمله الانجليز لتخدير ابناء كثير من المدن بل والدول التي كانو يحتلونها حتى اصبحت حانات الافيون هذه جزءا لا يتجزء من ثقافة عشرات من الشعوب التي خضعت في يوم من الايام للاحتلال الانجليزي، والمشكلة انه كلما ليكت تلك القطع من معجون الافيون اكثر فاكثر فقدت نكهتها وتأثيرها لكنها في ذات الوقت كانت تسبب مزيدا من التعلق بها والادمان عليها وكذلك كانت تدفع متعاطيها نحو تكبير الكمية وزيادة الجرعة عله يحصل على ذات التأثير وذات النشوة، واليوم تواجهنا معضلة اكبر واكثر فتكا من وباء الافيون انها وباء الكلمات المخدرة التي نسمعها كل صباح وكل مساء من افواه من يدعون انهم قادة وعلماء ونخب من هذه الامة، كلمات حق يراد بها باطل ورغم اننا ننساق وراءها بلا تفكير بل ونشجعها ونرددها لانها صادرة عن مراجع دينية أو علمية او زعامات سياسية فاننا لا ندرك انه بترديد هذه العبارات فاننا نرتكب انتحارا يوميا وجماعيا، وقد كثرت هذه المصطلحات وتفاقمت حتى غدت وباءا حقيقيا، فمن هذه العبارات والكلمات مثلا عبارة وسطية الاسلام التي تحولت من معناها الحقيقي الذي يعني ان الاسلام وسط بين الشرائع والديانات بمعنى الرفعة والافضلية لتمسخ وتحرف وتحّول الاسلام الى صورة ديانة الضعف والتراخي بحجة التعاطي مع كل شيء واي شيء بوسطية وتسامح مفرط، ومنها ايضا كلمة الارهاب او الارهاب الاسلامي تحديدا والتي كثر استعمالها حتى تحولت من اكذوبة مجردة الى حقيقة واقعة نصدقها نحن المتهمون بها قبل ان يصدقها الآخر، بل لقد سمعنا ممن هم ليسوا من ابناء هذه الامة وهذا الدين دفاعا عن الاسلام ونفيا لتهمة الارهاب عنه جاوز كثيرا مما يتشدق به المسلمون، وحتى وصل بنا الحال الى نعت الجهاد والمقاومة بالارهاب وتصديق هذه النعوت بل والعمل على محاربة المقاومين والمجاهدين بحجة انهم ارهابيون.
سبب هذه المقدمة وهذه الكلمات ما سمعته قبل ايام من احد هؤلاء المشايخ والمفتين عندما اتصل به احد القلة القليلة من المسلمين الذين لا تزال لديهم ذرة من نخوة وحمية يسأله عن وسيلة يثأر بها لاخوته الذين قتلوا في غزة، وهل أن قتل الاسرائيليين ولو خارج اسرائيل ان تمكن منه المرء يعد جائزا آخذين بعين الاعتبار أن كل شعب اسرائيل هم حربيون او عسكريون اما فاعلون او في صفوف الاحتياط، فما كان من ذلك الشيخ (قاتله الله) الا ان انتفض غضبا لاسرائيل وغضبا من السائل قائلا له ان هذا لا يجوز لان هؤلاء مدنييون عزل!!! وهذا من الارهاب والحرابة التي نهى عنهما الاسلام الوسطي!!! ثم زاد مولانا الشيخ من الشعر بيتا ((هو السم دس في الدسم)) لانه يعلم ان كلماته الاولى تلك لم ولن تقنع صاحبنا، فقال ان قتلى غزة ما هم الا شهداء احياء عند ربهم يرزقون، والشهيد ليس بحاجة لقصاص ولا دية ولا ثأر بل هي حرب، كر وفر، وخائضها يعلم انه اما الى النصر او الشهادة.
وهنا بدأت الدماء تغلي في عروقي لهذه الكذبة الكبرى التي سمعتها توا ولهذا الانحطاط الذي بلغ بعلماء السلطان كل مبلغ، وتساءلت أعندما افتى سيدنا الشيخ بفتواه هذه أتراه كان من اهل الملة ام كان خارجها؟ وهل كان عقلة داخل رأسه ام كان خارجه؟ وهل نسي ما يدرسه الاطفال في المدارس والطلاب في الجامعات من الفرق بين الشهيد وبين من له اجر الشهيد؟ هل نسي مولانا الشيخ قاتله الله ان الشهيد الذي لا يكفن ولا يغسل ولا يودى، ويشفع في سبعين من أهله ويدخل الجنة بغير حساب ويقضي الله سبحانه ما عليه من حقوق العباد في الدنيا او في الآخرة، هو فقط من قتل في ساحة المعركة مقبلا غير مدبر مبتغيا وجه الله سبحانه وتعالى ذائدا عن دينه او ساعيا لان تكون كلمة الله هي العليا وكلمة غيره هي السفلى اما كل من سواه فله اجر الشهيد وليس بشهيد؟؟؟ اي يغسل ويكفن ويودى وليس له شفاعة في غيره، ويمر بالحساب والصراط بحسب عمله -ومن هؤلاء من مات حرقا او غرقا او غريبا او اثناء اداء عمل فيه مصلحة لعامة المسلمين- والاهم من هذا انه قتيل يثأر له، بل الانكى من هذا انه حتى الشهيد لابد ان يثأر له بل ان اهم غزوات النبي محمد (ص) وهي فتح مكة كانت ثأرا لمن قتل من المسلمين على ايدي احلاف قريش، وان فتح القدس كان نتيجة نهائية لمعركة الثأر التي بدأها الناصر صلاح الدين الايوبي ثأرا للشهداء الذين قتلهم ارناط حاكم الكرك رغم انهم استشهدوا وهم يقاتلون دفاعا عن الحجيج؟؟
اذا فليس كل قتيل شهيد وما يراد بنا من ترديد هذه الكلمة هو المزيد من الانحطاط والخنوع وتبريد العواطف واطفاء الحمية وهو حق اريد به باطل، فلقد قتل في غزة الابية خلال اقل من 23 يوما قرابة 1500 انسان وبحسب ما هو معروف في علوم الحروب فان ما لا يقل عن ثلاثين بالمئة من الجرحى ايضا سيتوفون اذا فان العدد الاجمالي للقتلى سيصل قرابة 3000 مواطن عربي مسلم، ما يزيد على 95 بالمئة منهم هم مدنييون عزل قتلوا في ظلام الليل غدرا وغيلة اما وهم يختبئون فرارا بابنائهم وارواحهم او وهم يسعون في الشوارع او يختبئون في الملاجئ او يحاولون الحصول على كسرة خبز او شربة ماء، تبقيهم او تبقي اطفالهم او جيرانهم او حتى غريبا عنهم يقاسمهم المحنة، على قيد الحياة، افيريد سيدنا الشيخ ان يقول لي ان الاطفال الذين قتلوا في مدارس الاونروا هم شهداء لا يودون ولا يثأر لهم ولا يطالب بدمهم تماما كما الرجل البالغ العاقل الراشد الذي استشهد في ساحة المعركة، ام يريد سيدنا الشيخ ان يقول لي ولسائله ان النساء اللواتي قتلن في برد الملاجئ وتحت ركام المنازل لا يغضب لهن ولا يثأر لدمهن من كل بني يهود كانوا اسرائيليين ام لم يكونوا، ام يريد سيدنا الشيخ ان يقول لي ان العجزة والرجال العزل الذين قتلوا دون ذنب ودون قدرة على القتال لا دية لهم ولا ثأر لدمائهم وكأنهم مجرمون نالوا عقابهم او مقاتلون نالوا الشهادة وهم يحملون السلاح في ساح الوغى، رغم ان المقاتل هو الاولى بالثأر له والغضب لدمه؟؟؟؟
كثيرا ما نسمع عبارة ((ولا نزكي على الله احدا)) والتي مؤداها ان الله ادرى بعباده وبالتالي فلا يجوز للبشر ان يقولوا ان فلانا صادق وفلانا منافق او ان هذا خير من ذاك، لكننا نعلم عدل الله وسعة رحمته وايضا شدة غضبه وبالتالي فان اي مسلم يجزم ان قتلى غزة ومن قبلهم قتلى لبنان والعراق وافغانستان، والله وحده يعلم اي قتلى سننعى بعدهم، ان هؤلاء لهم عند ربهم اجر الشهيد وجزاؤه لكن هذا لا يعني ان ننسى دماءهم التي اريقت بليل بسيف الغدر والظلم والكفر، وان ننسى ثأرهم ولا نأخذ دياتهم من دم ولحم قاتلهم والا سنكون وهذا القاتل في الجرم سواء.
ليس من بيت في فلسطين لم يخرج منه شهيد او اكثر وليس من اسرة اردنية لم تقدم ابنا او اكثر من ابنائها شهداء في مذبح الشرف والمجد في فلسطين وغيرها، وكان عزاؤنا وعزاؤهم دوما ان هذا الابن البار حي يرزق عند ربه في عليين، وفي المقابل ليس من بيت او اسرة بين العرب والعجم لم يواجه يوما فقد اب او اخ او ابن غدرا وغيلة على يد عدو قريب كان او بعيد، ودوما كان الدم لا يغسل الا بدم، فكيف يريد سيدنا الشيخ ومن شاكله من علماء السلاطين ان نغسل دماء ابنائنا واخوتنا في غزة بماء فاتر لا طعم له ولا رائحة ولا لون؟؟ اتراه كان هذا الشيخ وسواه سيفتون بهذه الفتاوى لو كان القتلى من ابنائهم؟ اتراه كان سيكفيهم فنجان من القهوة المرة ليغسلوا بها عارهم وطعم خزيهم وذلهم من الحلوق والافواه لو انهم هم المعنييون بهذه المجزرة؟؟
يا سيدي الشيخ لا نريد ان نعتبر قتلى غزة ضحايا حادث سير اليم ينسون بفنجان قهوة سادة، وجاه كريمة لم يتنازل قاتلهم ان يأتي بها الينا، بل نريد ان نعتبرهم ضحايا اغتصاب همجي وأن نقتص لهم من مغتصبهم بحق الله وحدوده وان لم يثأر لنا أولوا الامر والسلطان فسنجعلها جريمة شرف ونغسل عارنا بأيدنا ام ترى امتنا تجردت من السيف والشرف والشوارب معا؟؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية