صمود غزة ومقاومتها ومن ثم انتصارها يضيف مدماكاً جديد إلى بناء النصر الذي تشيده مقاومة الأمة بعزيمة وتضحيات المجاهدين من أبنائها من جهة وبسبب عوامل الضعف والوهن التي بدأت تدب في أوصال الكيان الإسرائيلي المصنوع والمغتصب لأرضنا وعلامات الضعف والهشاشة والفناء التي بدأت تظهر واضحة في كيان العدو والتي من المفترض أن تنعكس في مجمل انتاج المثقفين في أمتنا لاستثمارها في رفع الروح المعنوية لأبناء الأمة وتعبئتهم لمواجهة هذا العدو وتنمية بذور الأمل فيهم وتحريضهم على مقاومة العدو والتأكيد على قدرة الأمة على تحقيق النصر على عدوها الذي يأكله الفساد على عكس ما كان سائداً خاصة بعد الخامس من حزيران 1967 إذ انتشرت في أوساط الأمة ثقافة الهزيمة وبرز كتابها وصارت شرائح واسعة من المحسوبين على الأمة تنظر إلى كيان العدو ككيان قوي ومتماسك وأنه واحة الديمقراطية والنموذج المميز في المنطقة من حيث العدالة والحرية والريادة بل وصل الأمر إلى ما هو أخطر من ذلك عندما صار بعض هؤلاء ينظر إلى اغتصاب فلسطين على أنه استقلال فقد جاء على أحد المواقع الالكترونية العربية ما نصه: اعترف الرئيس الأميركي هاري ترومان بدولة إسرائيل بعد الإعلان عن استقلالها بإحدى عشرة دقيقة. وكان هذا الاعتراف يبشر بإقامة علاقات على أساس قيم مشتركة تتسم بصداقة عميقة واحترام متبادل. ففي كلا البلدين نظام ديمقراطي نابض بالحياة وأرسيت أسس الأجهزة السياسية والقضائية في كلاهمافي تقاليد ليبرالية. ونشأ كلا البلدين من مجتمعين طلائعيين ولا يزال كلاهما يستوعب مهاجرين ويسعى إلى دمجهم في المجتمع كما صار الكثيرون من الكتاب والمحللين السياسيين العرب يؤكدون تفوق اسرائيل على العرب مجتمعين
وفي ظل هذا المنطق صار كيان العدو من وجهة نظر بعض المثقفين المحسوبين على أمتنا نموذج مثالي لكل صور التقدم بل لقد ذهب بعض المحللين والكتّاب إلى محاولة ترسيخ صورة كيان العدو كدولة فوق الدول كما استمر الضخ لترسيخ مفهوم التفوق الإسرائيلي وقد اعتمد هؤلاء في محاولتهم لترسيخ مفهوم تفوق كيان العدو في أذهان أبناء أمتنا على مكون واحد من مكونات قيام الدول هو المكون المادي بل إنهم اعتمدوا على جانب واحد من الجوانب المادية هو جانب البحث العلمي
إن أخطر ما في هذا التوجه الثقافي والفكري الذي ساد في بلادنا يتمثل بالنتائح التي توصّل إليها وسعى لترسيخها في وجدان الأمة والمتمثل بترسيخ التفوق العسكري للعدو وباستحالة الانتصار عليه بل إن أصحاب هذا التوجه لم يكتفوا بترسيخ تفوق العدو في هذه المرحلة من مراحل التاريخ بل سعوا إلى مصادرة مستقبل الأمة عبر تأكيدهم باستحالة التفوق على العدو مستقبلاً بل وباستحالة التعادل معه خاصة على الصعيد العسكري حيث بلغ التيئيس ذروته
وفي ظل هذا المنطق التيئيسي المبني على القناعة باستمرار تفوق العدو العسكري ذهب أبناء هذه المدرسة التيئيسية، وهي أهم تجليات ثقافة الهزيمة التي سادت في بلادنا إلى السخرية من المقاومة بكل أشكالها ورموزها ومصطلحاتها واعتبارها عملاً مجنوناً ولم يتردد أصحاب هذا الرأي في وصف المقاومة بالإرهاب وبأنها فائض الضعف العربي بل إن بعضهم لم يتورع عن تفضيل المعتدي على المقاوم حيث كتب أحدهم يقول: هل تشبه الدولة العليا منظمة إرهابية؟ لن نقول إلا أنهما تختلفان عن الدولة العادية بطريقتين متقاربتين جداً: لا تميزان بين المدنيين والعسكريين، لا ترتدعان، تؤسسان شرعيتهما على العقيدة، لا تعترفان بأصول للحرب، خارجتان على القانون ، كما لم يتردد أصحاب هذه المدرسة من السخرية من العمليات الاستشهادية والمساواة بينها وبين جرائم قتل المدنيين حيث كتب أحدهم يقول: في مواجهة التفوق المطلق الإسرائيلي، وتعذّر الحرب والسياسة، طور العرب سلاحاً مطلقاً لم يسبق أن عرفوه في تاريخهم: الاستشهادي. ومثل السلاح المطلق الآخر، النووي، لا يميز سلاحنا هذا بين مدني وعسكري بل إن أصحاب هذا الرأي نزعوا عن المقاومة وخاصةً الإسلامية صفة حركة التحرر بل ذهبوا إلى ما هو أخطر من ذلك عندما اعتبروا المقاومة خطراً على المجتمع فقد كتب أحدهم يقول: على أن المشكلة الخطيرة في مقاومات ما دون الدول أنها دينية في مجتمعات المشرق المتعددة الأديان، والمتعددة الإسلام أيضاً، ما يجعل منها، من حيث المبدأ ومهما أبدت من حرص، ضد المجتمع وليس ضد الدولة العاجزة فحسب؛
بل لقد زعم بعضهم أن حركات المقاومة محل استياء الناس من ذلك ما كتبه أحدهم قائلاً: والخلاصة العملية التي يمكن ترتيبها على ذلك قد تنص على أن استعادة الصراع إلى الدول، وإلى العقلانية، يقتضي تمكن أو تمكين الدول هذه من تدارك عاهاتها السيادية، ومواجهة أعدائها بصورة فعالة. دون ذلك سيكون المشهد العربي مزيجاً من دول خانعة، لا تندرج خياراتها السلمية المعلنة في استراتيجية متكاملة لحل المشكلة الإسرائيلية، وبين منظمات ثائرة تبقى موضع استياء من قطاعات من الرأي العام في البلدان المعنية
نعم هذه الثقافة التي سادت بعد هزيمة الخامس من حزيران 1967 والتي أقيمت من أجل ترسيخها المؤسسات وأنفق على نشرها الملايين ليذهب ذلك كله أدراج الرياح فمن ظلام العتمة انبثق فجر المقاومة التي نجحت في أحداث تحول بطيء لكنه مستمر ومتراكم في مسار الصراع الدائر على أرض فلسطين وصولاً إلى المرحلة التي نعيشها والتي صارت فيها المقاومة تحقق انتصارات جاسمة على إسرائيل أقل الشواهد عليها أن إسرائيل صارت عاجزة عن تحقيق أهدافها مثلما صارت عاجزة عن رسم نهايات عدوانها وخير شاهد على مانقول ما جرى في لبنان عام 2006 وما جرى في غزة مطلع عام 2009 وما رافق ذلك كله من حلول تدريجي لثقافة المقاومة محل ثقافة الهزيمة لتصبح الهزيمة هي المآل النهائي لعدو الأمة مهما حاول أشياعه تثبيط الهمم بمقولاتهم التي تحاول أن تخفي ضوء الشمس بغربال فقد اضافت المقاومة في غزة مدماكاً جديداً إلى بناء النصرالنهائي الذي بدأت ترتسم ملامحه في حياة أمتنا.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية