بين "درون" حميميم وصواريخ طرطوس.. فتش عن إيران

قاعدة حميميم - جيتي

مازالت طائرات "درون" المسيرة تحلق في أجواء جبلة وتستهدف قاعدة "حميميم" الجوية التي يتخذها الاحتلال الروسي مقرا لقيادة قواته، وآخرها هجوم الليلة الفائتة، بينما لا تزال روسيا تتجاهل مصدرها، موجهة التهم إلى فصائل المقاومة السورية، حتى جاءت الصواريخ التي استهدفت طرطوس ليعلن الروس صمتهم المطبق إزاء ما جرى.

*اتهامات متناقضة
منذ بداية العام الجاري حلقت طائرات مسيرة دون طيار صغيرة الحجم فوق قاعدة "حميميم" العسكرية، وأسقطت عددا من القذائف، تسببت في هجومها الأول بتدمير بضع طائرات، استمر التحليق حتى وصل إلى أكثر من 10 مرات، "حسب إعلام نظام الأسد" كان آخرها يوم الجمعة الماضي، عندما تم إسقاط طائرتين مسيرتين قبل بلوغ أهدافهما "كما ورد في معظم شبكات الأخبار الساحلية"، بواسطة قواعد صواريخ الدفاع الجوي التي تتولى حماية مطار "حميميم".

لم تحقق هذه الطائرات أي نتيجة عسكرية مؤثرة على القوات الروسية المتواجدة في مطار "حميميم"، ولكنها زرعت الرعب، وأجبرت الروس على البقاء في حالة تأهب دائمة "استنفار"، واضطرتهم لاستهلاك عدد كبير من الصواريخ المضادة للطائرات، تفوق قيمتها بآلاف الأضعاف قيمة الطائرات المسيرة المهاجمة.

ثم جاء استهداف محافظة طرطوس بصواريخ مجهولة المصدر، أصابت قرية "حمين"، وهي تبعد عن القواعد العسكرية الروسية في طرطوس حوالي 8 كم، في تهديد مباشر لقاعدة روسيا البحرية، وصمت الروس عن هذا الهجوم تماما. 

وجهت روسيا اتهامها مباشرة لفصائل المقاومة السورية، واعتبرت أنها تقف خلف تسيير هذه الطائرات، كما وجهت اتهامات خجولة إلى البحرية الأمريكية، وإلى وقوف دول خلف هذا الاستهداف، في حين وجه نظام الأسد الاتهام إلى عناصر مساندة للثورة، تقيم قرب مطار "حميميم" وطالب أجهزته الأمنية بملاحقتها.

تدل هذه الاتهامات المتناقضة إلى جهل مُطلقيها أو تجاهلهم لتخبط القوى المسيطرة ضمن مناطق النظام، واتفاق الجميع على استغلال هذه الحوادث، من أجل زيادة الضغط الجوي على فصائل المقاومة، وربما تبرير محاولة اقتحام المناطق التي تسيطر عليها في ريف حماة الشمالي وإدلب وريف اللاذقية.

*إيران تخون روسيا
أكد مصدر مطلع لـ"زمان الوصل" على علاقة وثيقة مع الأجهزة الأمنية من داخل محافظة اللاذقية، ويمارس عملا قياديا، أن من يقف خلف استخدام الطائرات المسيرة هي الميليشيات الإيرانية، والعناصر الذين يدينون بالولاء لها.

وأشار إلى أن إيران بدأت بتوجيه التهديدات العسكرية عبر هذه الطائرات ضد القوات الروسية، بعد أن بدأ الروس بتحييد الميليشيات التابعة لها، والتي يترأسها "أيمن جابر"، وتهميش الميليشيات الطائفية التابعة لعشائر "الحيدرية"، التي كان يقودها "معراج اورال"، بالتعاون مع مجموعة رجال الدين "الحيدريين" من "آل غزال"، والذين يعتبرون أن عشائر "العلوية الحيدرية" قريبة من المذهب الشيعي أكثر من العشائر "الكلازية"، التي ينتمي إليها "بشار الأسد".

ورجال الدين من "آل غزال" هم من أبناء قرية "تلا"، التي كانت قريبة من مناطق سيطرة فصائل المقاومة في "جبل الأكراد"، ويعتبرون مرجعية لكل "الحيدرية" في سوريا، ووجدوا متنفسا مع انطلاقة الثورة السورية، وتعاونوا مع إيران من أجل استرداد جزء من حقهم المسلوب من قبل النظام، "كما يدعون" والظهور إلى الأضواء بعد أن كانوا مهمشين لأعوام طويلة.

وأشار المصدر إلى ثلاث نقاط، قال إنه متأكد من استخدامها لإطلاق الطائرات المسيرة.

النقطة الأولى: تقع شمال شرق القرداحة "بين القرداحة والجوبة" في المنطقة التي كانت تسمى اللواء الجبلي سابقا، وهذه النقطة تحولت إلى مقر إيراني للسيطرة والاستطلاع، كما يمارس فيها نشاطات لا يعلم أحد عنها شيئا، لأنها منطقة عسكرية ويمنع الاقتراب منها، وهي منطقة جبلية وعرة، تطل على سهل الغاب ومعظم الساحل السوري.

وتم اختيار هذه المنطقة لإطلاق الطائرات، لكي توحي بأن الطائرات قادمة من ريف حماة الشمالي، ونجحت بذلك وأظهر الروس تصديقهم لهذا الأمر، ووجه الروس ضربات جوية قوية إلى فصائل المقاومة شمال حماة وجنوب إدلب بذريعة الطائرات المسيرة.

النقطة الثانية: التي استخدمتها الميليشيات الإيرانية هي منطقة قرية "عرامو" التي تقع غرب بلدة "سلمى"، وكانت الغاية أيضا توجيه الاتهام إلى فصائل المقاومة في ريف اللاذقية "جبل الأكراد".

النقطة الثالثة: هي منطقة قرية الزوبار "طريق اللاذقية جسر الشغور القديم"، والغاية من اختيار هذه المنطقة توجيه الاتهام إلى الفصائل التي تدافع عن قرى "جبل التركمان".

ونفى المصدر علمه بمكان إطلاق الصواريخ على محافظة طرطوس، مؤكدا أن المعلومات التي تصل إلى الأمن السوري تنفي امتلاك فصائل المقاومة للوسائط النارية التي تمكنها من استهداف محيط مدينة طرطوس، والقادرة على تهديد قاعدة طرطوس العسكرية الروسية، لأن المسافة التي يجب أن تقطعها هذه الصواريخ تبلغ أكثر من 100 كم من أقرب نقطة تسيطر عليها المقاومة.

وأشار إلى أن هذه الصواريخ تحتاج إلى دقة في الصنع، وحشوات دافعة كبيرة، وتقنية عالية لا تمتلكها الفصائل السورية.

وقدر المصدر أن هذه الصواريخ مصدرها في جبال "القدموس" من المنطقة القريبة إلى "الفوج 49" دفاع جوي "اس200"، والتي يوجد فيها مصانع أسلحة إيرانية، وتعتبر منطقة عسكرية معزولة.

وأضاف المصدر: "تحاول إيران توجيه تهديدات مباشرة إلى القوات الروسية، بعد أن بدا واضحا الاتجاه الدولي إلى إخراج إيران من سوريا، وعدم ممانعة روسيا لهذا الأمر". 

وتابع "تريد إيران بهذه الرسائل أن تؤكد لروسيا أن قواتها الموجودة في سوريا لا قيمة لها، ومن الممكن تدميرها بدون تكلفة عسكرية وبوسائط لا يمكن ردعها، وإن المسيطر على الأرض هو صاحب القوة، وبالتالي دفع الروس إلى التنسيق مع الإيرانيين وعدم التخلي عنهم، تحت طائلة تدمير قواعدهم في كافة الأراضي السورية.

من جهته نفى خبير إلكتروني يعمل مع فصائل المقاومة لـ "زمان الوصل" امتلاك الفصائل المقاومة للطائرات المسيرة التي يمكن التحكم بها لمسافات طويلة، كما أكد على عدم المقدرة على تصنيعها، لأنها تحتاج إلى معايرة دقيقة، من أجل التوجيه الصحيح، وأجهزة إلكترونية قادرة على التواصل مع الأقمار الصناعية، كما أنها لا تستطيع مقاومة الرياح لمدة طويلة، بالإضافة إلى مشاكل تقنية كثيرة، وأهم هذه المعوقات وجود فواصل طبيعية بينها وبين مناطق إطلاقها مما يفقدها الاتصال والتوجيه، وعدم وجود وسائل توجيه تمكنها التحكم بالطائرات المسيرة لمسافات كبيرة.

وأضاف الخبير" إن الطائرات المسيرة الأولى التي استهدفت مطار حميميم كانت مصنعة بالكامل في الخارج، وبالتالي فقد تم استقدامها من قبل قوى قادرة على إدخالها إلى سوريا دون مساءلة أو بالتعاون مع نظام الأسد برا أو بحرا او جوا، ولا يستطيع فعل ذلك إلا إيران وروسيا.
وأشار إلى أن الطائرات التي تم إسقاطها قرب مطار "حميميم" في البداية كانت مماثلة من الناحية التقنية والتوجيه للطائرة التي استخدمتها إيران للتحليق فوق الجولان السوري المحتل، والتي أسقطتها "إسرائيل"، مؤكدا أن "روسيا تعلم ذلك".

وبعد ذلك كانت الطائرات المستخدمة مختلفة للإيحاء بأن تصنيعها محلي، من أجل اتهام فصائل المقاومة، ولكن الملاحظ أن هذه الطائرات قد تم تجميعها وتصنيع أجزاء منها، وهذا الأمر يحتاج إلى مصانع متكاملة وأجهزة معايرة عالية الدقة، ومهندسين وربط اتصال مع الأقمار الاصطناعية، وهذا الإمكانية لا تمتلكها سوى إيران، وحتى نظام الأسد لا يمكنه ذلك.

وحسب مصادر خاصة مقربة من القوات الروسية في سوريا، فإن روسيا تعلم أن إيران هي التي تقف خلف استهداف قواتها، ولكن لا مصلحة لها الآن بإظهار هذا الأمر، وتنتظر الوقت المناسب لتوجيه ضربات موجعة إلى الميليشيات الإيرانية، وإخراجها من منطقة الساحل السوري، ولكن على مراحل، وأول الخطوات في هذا الاتجاه هي كسب ولاء الموالين في الساحل لصالحها، ومن ثم تجريد الميليشيات التابعة لها من السلاح، والإشراف المباشر على القوات العسكرية، ووضعها تحت إمرة القوات الروسية بالكامل.

طارق حاج بكري - زمان الوصل
(136)    هل أعجبتك المقالة (117)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي