تركة الرجل المريض ... شوقي حافظ

أواخر القرن التاسع عشر كانت دولة الخلافة العثمانية هي (رجل أوروبا المريض) الذي تكالبت عليه القوى الكبرى وهو يحتضر لحصر تركته والاتفاق على تقسيمها، بتشجيع النزعات القومية وحركات التمرد في مختلف الولايات العثمانية ضد دولة الخلافة وتقديم وعود زائفة بالاستقلال والتحرر الوطني لهذه الولايات، وكانت النتيجة أن الدول العربية التابعة لآل عثمان وقعت غنيمة سائغة للاستعمار البريطاني الفرنسي، بتقسيم ودّي لهذا الجزء من تركة الرجل المريض تم باتفاق سايكس ـ بيكو .. لكن ظهور الولايات المتحدة الاميركية كقوّة عظمى منتصرة عقب الحرب العالمية الثانية، شهد أفولا تدريجيا للاستعمار الأوروبي في امبراطورياته الشرق أوسطية التي كانت لا تعرف غروب الشمس.
ووفقا للمؤرخ السير أرنولد توينبي في قوله: الولايات المتحدة مثل كلب ضخم يعيش في غرفة صغيرة بحيث يصطدم ذيله بمقعد كلما حاول الحركة، كانت واشنطن في حاجة لمزيد من الانتشار والتمدد خارج حدودها يماثل ما تدعو إليه الرقصة الأميركية الشهيرة روك آند رول ومعناها: اهتز وتمدد وانتشر، التي واكب ظهورها بدء التطلعات الامبريالية للكلب الضخم، لهذا شهدنا ما أسمته واشنطن سياسة ملء الفراغ، وتعني أن تحل محل قوى الاستعمار القديم في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، التي تتمتع بجاذبية خاصة لموقعها الاستراتيجي وثرواتها المتعددة وفي مقدمتها النفط.
وأوائل القرن الحادي والعشرين جرت مياه كثيرة في النهر استدعت تحالفا دوليا بقيادة الولايات المتحدة للتعامل مع رجل مريض آخر يحمل الجنسية العربية، تتكالب عليه الآن قوى إقليمية ودولية متعددة طمعا في الحصول على نصيب من التركة، بينما الرجل المريض داخل غرفة الانعاش لا تفلح قمم الأبسطة الحمراء لإفاقته، في غيبة مشروع نهضوي عربي يوظف الثروات وقدرات كل المواطنين دون تمييز عرقي أو ديني او مذهبي، بكفالة جميع الحقوق المدنية لكل مواطن، وممارسة ديموقراطية تعترف بالتعددية والرأي الآخر وتداول السلطة.. وبينما تمتلئ خزائن الرجل المريض بكل أسباب القوة والمنعة، فإنه يلتمس النجاة والافاقة بأكياس محاليل ودم تنتقل إلى أوردته من عواصم إقليمية ودولية هي التي أتمت حصر وتقسيم التركة.. وتتأهب الآن لتشييع جنازته!


جريدة الوطن العمانية