أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عمل إلهي ... حسن بلال التل

في هذه الاوقات والازمنة التي ما عاد فيها مكان كبير للمعجزات والقوى الخفية وفي زمن تكاثرت فيه خيبات الامل وجراح القلوب حتى اصبح الايمان بأي شيء وكل شيء ضربا من الجنون وقد يوصف بأنه متنفس اليائسين، في زمن علا فيه صوت الباطل حتى غدا حقا وكثر الظلام حتى غدا النور سرابا في عقول الخرفين وفي بقايا ذكريات العجائز، في هذا الزمن الذي ولد ومات خلاله الآف مؤلفة دون ان يروا يوم مجد واحد حتى قتلتهم كثرة الخيبات وتراكم الخزي والذل الذي غدا جبالا فوق القلوب واحمالا فوق الكواهل، وكلما لمحنا بصيص نور في نهاية النفق تبين انه طلقة رصاص او في احسن الاحوال ضوء القطار
بين هذا كله اطلت علينا غزة كسحابة سوداء من هم ثقيل طغى على كل همومنا واضاف فوق الهموم هموما وفوق الاحمال احمالا وزاد الجبال التي تعلو القلوب والصدور ثقلا، ولثقلة جمّعنا الهم ووحّدنا الهم وجعل كل مصيبة بعده فرجا وكل كرب سواه لا يعد
وكلما ثقل الهم وزاد الحزن رأينا وبصورة عجيبة بوادر عز وخيط خير ورأينا ما لم نعهده من قبل لا من عرب ولا من عجم وفجأة لم يعد الايمان ضربا من اليأس ولا عاد النور سرابا ضعيفا في فيافي ذكريات خبت ولا عدنا نستطيع القول ان زمن المعجزات قد انقضى وفجأة اخذنا نرى فوق الوجوه المتعبة والقلوب الجريحة لاحات من امل ومسحات من ابتسام لانهم لاول مرة يشعرون انهم سيموتون وقد رأوا من هذه الدنيا ايام مجد وعز وان كتبت بدماء الابرياء التي لا عزاء لنا الا علمنا انها لابد سيثأر لها وانها تحولت الى زيت يوقد قناديل المجد، فلأول مرة لم يكن ذلك النور الخافت في نهاية النفق الا ضوء شمعة، شمعة ضعيفة رقيقة لكنها شمعة تتقد ونورها يضيء ويدفئ ويشعل شموعا وقناديل
لقد كانت غزة ذلك القنديل، ذلك النور الالهي الذي اشعلته ارادة شعب رفض الموت ورفض ان يطويه الظلام، لم يكن سلاحا ولا حزبا ولا جبهة لم يكن مجدا يجيّر لهذا او يتاجر به ذاك، لقد كان نصرا لشعب فلسطين في اول حرب حقيقية بين دولة صهيون والشعب الفلسطيني، حرب لم يدخل فيها وسيط دولي ولا جيش عربي ولا دعم خارجي، كانت حربا بين جيش نظامي مقاتل مدرب وشعب اعزل مذهول لهول ما حل به، لكن وبعد ايام قليلة انقلبت الآية فذهل الجيش وصمد الشعب بصدره العاري وزنده الذي لا يحمل الا كفنا وحجرا، اما الجيش والجندي فذهلا حتى تحولا الى ثور هائج او ضبع غادر ارعن دمر حتى لم يبق ولم يذر، ومع ذلك بقي الشعب وبقي نصره، وبقي له المجد والعز برغم الموت والقهر وغدر القريب قبل البعيد.
لكن برغم هذا بقي المشهد العام دليلا على ان فيما يحصل عملا إلهيا وارادة اقوى واعتى من ارادة البشر، فقبل اشهر معدودات كان لبنان في ذات الموقع وذات المحنة بل ان محنة لبنان كانت اطول واشد ورغم ذلك انقسم العرب وانقسم المسلمون ولم يمد احد يده بعون يذكر ولا ظهر شاجب ولا سمع مستنكر بل وكما رأينا من حال غزة هذه المرة فقد غدر الاخ قبل الغريب واشاح الصديق بوجهه قبل العدو بل حتى ان الشعوب انقسمت والعائلة الواحد تفسخت بين مؤيد ومعارض، موافق ورافض، اما هذه المرة فقد رأى الجميع ما لم يسبق لنا رؤيته في سلم ولا حرب فلاول مرة انتفض العالم الاسلامي من اقصاه الى اقصاه بشعوب لم يسبق لها ان حركت ساكنا وحكومات كانت دوما اول من يشد من ازر المعتدين بصورة لا يمكن الا ان توصف الا بانها عمل إلهي وتيسير من فوق سبع سماوات، اعطى أهل غزة العزل القدرة على الصمود لثلاثة اسابيع أمام الجيش الذي هزم سبعة جيوش وأمة في ستة ساعات.
لكن الاكبر من هذا لم يكن تحرك الشعوب العربية والحكومات الاسلامية، بل كان انكشاف الكثير من السياسيين العرب امام انفسهم وامام شعوبهم وهو نصر يعدل ان لم يزد على نصر غزة، لاننا في الايام القليلة القادمة سنشهد تمايزا وتخندقا وتعسكرا بين صفوف الامة يقسمها بين ذليل وعزيز بين فاعل ومتلق للفعل وبهذا وحده تتحرر غزة ولهذا ايضا ستدخل التاريخ من ابواب مجده
يا غزة بوركت ارض هاشم الذي من صلبه ولد الحق كما ان من ترابك ولد المجد، بوركت يا غزة التي اشعلت في نفوس الامة شعلة ثورة وسكبت دمك زيتا مباركا في محرابها كما اطفئت في نفوس كثير من زعمائها آخر رمق من عز ومجد، بوركت يا غزة التي اعدت لنا ايماننا بكل شيء بعد ان فقدنا الايمان بأي شيء، بوركت يا غزة وطنا ومهدا ومشعلا ومعجزة خالدة على ارض الله ودليلا على قوة دينه الخالد، بوركت يا غزة عل الله يباركنا ويغسل عنا الذل والعار ببركة دمك وعزك ونصرك الذي كشف حقيقتنا

(98)    هل أعجبتك المقالة (97)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي