أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سكتت المدافع، ماذا بعد؟ ... رشيد شاهين

بعد ثلاثة اسابيع من حرب اسرائيل المدمرة والهمجية على قطاع غزة يتبين حجم الدمار والخراب الذي الحقته آلة الدمار الاسرائيلية في كل زاوية من زوايا القطاع، وقف رئيس وزراء اسرائيل اولمرت ليعلن عن انتها ء الحرب من جانب واحد، تماما كما اعلن الرئيس الاميركي غير الماسوف على مغادرته في الاول من ايار عام 2003 وبعد ان احتل العراق عندما قال بان المهمة انتهت، لكن السؤال الذي لا بد لاولمرت ان يساله ومعه قادة اسرائيل الذين تلطخت ايديهم بدماء اطفال وحرائر غزة هل فعلا انتصرت اسرائيل في حربها المجرمة على اطفال فلسطين؟، ام ترى سيلزمه سنوات عديدة ليكتشف كما اكتشف حليفه في الاجرام بوش الصغير بان حديثه عن الانتصار لم يكن سوى وهم يعشعش في عقله وبقية زملائه في قيادة الكيان الفاشي؟.

ان تقوم اسرائيل بكل هذا القتل والتدمير من خلال استعمال غير مسبوق للقوة ضد شعب اعزل بكل المقاييس - مقارنة مع حجم القوة العسكرية الاسرائيلية- وان توقع كل هذه الضحايا في صفوف ابناء فلسطين الابرياء - اطفال، نساء، كهول- وان تكون الخسائر في صفوف جيشها الفاشي في حدها الادنى لا يعني بالضرورة ان اسرائيل قد حققت انتصارا مؤزرا على المقاومة الفلسطينية في قطاع من الارض ضيق المساحة ومحدود الامكانية وتتسم اراضيه بطبيعة جغرافية مكشوفة.

يمكن لاسرائيل ان تقول انها في حربها غير المتكافئة على قطاع غزة، سحقت وضربت كيفما اتفق وكيفما ارادت، وان تقف - منتشية- على ما خلفته في قطاع غزة من ضحايا سواء بقتلهم بكل انواع السلاح المحرم دوليا، او من خلال ما سينتج من اعاقات وتشويه للجرحى الذين سقطوا خلال الحرب الغادرة، او من خلال ما الحقته تلك الآلة العسكرية من دمار وخراب في كل بيت، مدرسة، مؤسسة، مسجد، جامعة، مستشفى، او بنى تحتية، لكن هل بامكان اسرائيل ان تقول انها نجحت في تحقيق اهدافها المعلنة على الاقل؟.

الجواب على هذا السؤال بدأ يظهر منذ اللحظة الاولى لاعلانها وقف العمليات الحربية او القتالية من جانب واحد، وهو سؤال على اي حال يمكن ان تتلاحق الاجابات عليه في الفترة الزمنية القادمة، حيث لنا في حرب تموز على لبنان عبرة، وذلك عندما استمر الجدل حول نتائج تلك الحرب لمدة تزيد على العامين ولا زال الجدل قائما، وقد كانت النتيجة ان اسرائيل لم تستطع ان تحقق اهدافها من خلال تلك الحرب.

لقد كان من الواضح ان الهدف الاسرائيلي الاول من تلك الحرب المجنونة على ابناء الشعب الفسطيني هو وقف "الصواريخ" التي يتم اطلاقها على المدن والبلدات الاسرائيلية في جنوب الكيان، وهي استطاعت ان تصور للعالم على ان تلك "الصواريخ" سوف تقضي على كيانها، واصبحت تلك "الصواريخ" على لسان كل قادة الدول الغربية، وصار المثال السائد في كل لقاءاتهم بان من غير الممكن لاي دولة ان تسكت بينما تتساقط "الصواريخ" على مدنها وقراها، متناسين بشكل مفضوح القوة العسكرية الاسرائيلية الرهيبة وقدرة تلك الاسلحة التي تملكها اسرائيل على التدمير الفتاك. لكن هل تمكنت اسرائيل من تحقيق الهدف الاول والمعلن لهذه الحرب المجنونة على ابناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؟، بالتاكيد ان الجواب على ذلك هو بالنفي.

لقد قلنا منذ بدأت الحرب ان ما تقوله اسرائيل لا علاقة له "بالصواريخ"، او الخوف من تلك "الصواريخ"، بقدرما له علاقة بتركيع الشعب الفلسطيني، والعمل على اخضاعه، بحيث تنتفي فكرة المقاومة من القاموس الفلسطيني، ويمنع على الفلسطيني ان يفكر ولو مجرد تفكير في مقاومة هذا العدو الفاشي، وتصبح فكرة المقاومة فكرة منبوذة غير مستساغة، مرفوضة، بحيث يبدو من يدعو اليها كأنما يدعو الى فكرة شاذة لا يمكن القبول بها، هذا هو احد الاهداف غير المعلنة لهذه الحرب المجنونة التي شنتها اسرائيل على الشعب الفلسطيني.

لا شك أن هنالك الكثير من الاهداف الأخرى غير المعلنة لتلك الحرب، والتي منها إنهاء الشعب الفلسطيني نفسه، وجوده وكينونته، حلمه، وحقه في تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، بالاضافة الى الطموحات الاسرائيلية بالسيطرة على اكبر مساحة ممكنة من الارض الفلسطينية، خاصة وان اسرائيل هذه الدولة التي تعتبر نفسها فوق القانون لا تعترف بوجود الشعب الفلسطيني، لا بل وتنفي فكرة وجود مثل هذا الشعب، وهي تتعامل معه على اساس انه شعب غير موجود وهذه هي الفكرة الاساس للايديولوجية الصهيونية التي وحتى بعد سنوات طويلة من المفاوضات مع الفلسطيني لم تتردد في اكثر من مناسبة بالقول ان لا شريك فلسطيني، وهي اسرائيل ذاتها التي لا زال كثير من قادتها يعتبرون ان حل المسالة الفلسطينية يكمن في اقامة دولة فلسطينية في الاردن، او في احسن الاحوال الحاق الضفة الغربية بالاردن، والحاق قطاع غزة بجمهوية مصر. اسرائيل وبعد ستة عقود من تشريد شعب فلسطين، لا زالت تنكر على الفلسطيني حقه في الحياة، وحقه في الوجود، ومن هنا فهي لا تتورع عن ارتكاب المجازر بكل فظاظة وبكل فظاعة ضد ابناء الشعب الفلسطيني.

بعد ثلاثة اسابيع من مجزرة مستمرة امام سمع وبصر العالم، وبعد صدور قرار مجلس الامن بوقف العدوان، هذا القرار الذي لم تستجب له اسرائيل كما هي عادتها، ما الذي تحقق لاسرائيل؟ هل انتصرت اسرائيل على دم واشلاء اطفال فلسطين؟

من الواضح ان اسرائيل تلطخت صورتها امام العالم، ومن الواضح ايضا ان اسرائيل تدرك ذلك، لكن الى اي مدى سوف يستفيد العربي والفلسطيني من هذا الواقع، وكيف سيتم استثماره على كل المستويات، ام ترى ان الدولة العبرية تراهن على ان العالم سرعان ما سينسى كل الدم الذي اريق في كل مكان في قطاع غزة؟، من الواضح ايضا ان الدول العربية التي اختلفت حول الدم الفلسطيني عادت لتتفق حول هذا الدم، وقد يكون للهبات الجماهيرية في شوارع المدن العربية الدور الاهم في هذا الاتفاق - الظاهر على الاقل- كما حدث في القمة الاقتصادية، لكن هل على الفلسطيني ان يدفع من لحم اطفاله ونسائه واشلائهم حتى تتوحد الامة ولو ظاهريا؟ وكم سيطول هذا الاتفاق الظاهر والى اي مدى؟ ام ترى سيحتاج العرب الى مزيد من الدم الفلسطيني للرقص عليه قبل ان يتفقوا مرة اخرى؟

حرب اسرائيل الهمجية على الشعب الفلسطيني وكل الدم الذي اريق وهذا الكم الهائل من الدمار واليتامى والارامل لا زال عاجزا عن توحيد فصائل المقاومة الفلسطينية، وهي التي احوج ما تكون للوحدة، وهي ان لم تتوحد اليوم وبعد كل هذا الذي جرى اذن متى ستجنح الى الوحدة؟، ام ترى ستزيد الحرب الهمجية من التشتت والانقسام الفلسطيني في - هوسة- الحسابات الضيقة التي قد تتسيد مواقف الفصائل في الايام القادمة؟، والتي ستنطلق من منطلقات نحن نعلمها، لاننا نفهم الذهنية السائدة بين قادة الفصائل، ونعلم كيف يتم احتساب الامور - نتمنى الا يحدث هذا الذي نفكر به-.

لقد سمعنا نداءات للوحدة الفلسطينية سواء من السيد محمود عباس او من السيد اسماعيل هنية، لكن هذه النداءات لا يمكن ان تتحقق إلا إذا خلصت النوايا وتعامل معها الجميع بقلوب وعقول مفتوحة وبعيدا عن الحسابات الضيقة، خاصة وان الشعب الفلسطيني يخرج من كارثة لا نبالغ ان قلنا بانها الاسوأ منذ نكبة فلسطين عام 1948، ولا نعتقد بان الشعب الفلسطيني بحاجة الى نكبة اخرى قد تكون اسوأ من هذه الحرب حتى يصحوا من غفوته ويتعامل مع موضوع الوحدة واعادة اللحمة الى شطري الوطن بشكل صادق ينم عن احساس عال بالمسؤولية.

حرب اسرائيل المجنونة على قطاع غزة لم تكن ضد حركة حماس فقط، وهي بالضرورة لم تكن من اجل تقوية السلطة على حساب حماس كما تدعي اسرائيل، بل هي حرب من اجل اضعاف الكل الفلسطيني، ولا يمكن لعاقل ان يصدق بان السطة الفلسطينية كانت جاهزة للذهاب الى قطاع غزة على ظهر الدبابة الاسرائيلية كما حاول البعض الترويج، لقد كانت الحرب الهمجية على ابناء فلسطين في قطاع غزة ومن خلالهم على القضية الفلسطينية برمتها وعلى الامة العربية بكل اقطارها في المهادنة والممانعة، ترى هل سيرتقي القادة الى مستوى هذا الدم المسفوح، هل سيرتقى هؤلاء الى الصرخات المخنوقة ممن تبقى من اطفال غزة، هل ستنجح القادات الفلسطينية وبعد كل هذا الموت والدمار ان تتجاوز عقدتها الفصائلية وان تتعامل مع الموضوع الفلسطيني على انه قضية الشعب والارض والهوية وليس هذا الفصيل او ذاك؟

20-1-2009
[email protected]

(111)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي