في ظل الضائقة المادية وظروف الحرب التي تعصف بالسوريين لجأ البعض منهم إلى أساليب ووسائل عدة غير مشروعة للكسب المادي: ومن هذه الأساليب ما يُعرف بالبحث عن "الزئبق الأحمر" الذي تحول إلى هوس وبخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وتداول ناشطون منذ أيام أن مجهولين استدرجوا في السويداء عنصرين سابقين من حزب الله ينحدران من مدينة "بصرى الشام"، واختطفوهما باستخدام طعم "الزئبق الأحمر".
وأفادت شبكة "السويداء 24" نقلاً عن مصادر لم تسمْها أن التواصل مع الضحيتين بدأ عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم إقناعهما بوجود "الزئبق الأحمر" لديهم ويريدون بيعهما إياه بسعر زهيد.
شكلت مادة الزئبق الأحمر السحرية لغزاً مستعصياً على الحل عبر العصور وعادت هذه المادة إلى الواجهة منذ ما قبل سنوات الحرب في سوريا من خلال البحث عنها في أجهزة الراديو القديمة التي كان البعض يحتفظون بها كقطع "أنتيكا"؛ وبعد أن اكتشف المهووسون بالزئبق الأحمر أنها تحوي على هذه المادة السحرية راحوا يتهافتون على شرائها بأثمان باهظة وأصبحت هذه الأجهزة المهملة بين ليلة وضحاها هدفاً للباحثين عن الزئبق الأحمر.
وأدى هذا الإقبال المحموم عليها بدوره إلى ارتفاع أسعارها إلى ما يقارب الـ 10 أضعاف، وشهدت أسواق الأنتيكا أو المستعمل في المدن السورية آنذاك إقبالاً لافتاً على شراء أجهزة الراديو القديمة من ماركة (فيلبس) معتقدين أنها تحوي بضعة غرامات من هذه المادة السحرية وبيع بعض هذه الأجهزة آنذاك بأكثر من (25 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 400 دولار مع أن سعرها لم يكن يتجاوز 1500 ليرة قبل ذلك.
(أنور ناصر– 42 عاماً) أحد مقتني الراديوهات القديمة في السويداء روى لـ"زمان الوصل" أن مبلغاً ضخماً دُفع له مقابل أحد الأجهزة النادرة التي يمتلكها ثم زيد المبلغ إلى الضعف ولكنه -كما يؤكد- رفض هذا العرض خوفاً من أن يكون في الزئبق الأحمر- كما يدّعون- أضرار صحية أو متاعب وخصوصاً أنه سمع -كما يقول- أن الزئبق يُستخدم في تحضير الجان والأرواح وهو في غنى عن هذه الأمور.
(عماد موسى -37 عاماً) مقتن آخر لأجهزة الراديو القديمة أشار إلى أنه عُرض عليه أكثر من المبلغ الذي عُرض على صديقه أنور في راديو قديم من نوع "فيلبس" ولكنه رفض أيضاً -كما يقول- لاعتقاده أن ما في الراديو يفوق هذا المبلغ المدفوع فتريث منتظراً أن يُدفع له سعر أعلى، مع علمه أن هذه الأجهزة لا تساوي ربع هذا الثمن، ولكن "التجارة شطارة" كما يقولون، وطبقاً لإفادة أحد الباعة الذي رفض الإفصاح عن اسمه فإنه راقب سلوك شخص اشترى أحد هذه الأجهزة ووجده يضع جهاز الهاتف المحمول في الجهة الخلفية للراديو، فإن تعطل الجهاز وفقد خاصية الاتصال والاستقبال اشتراه على الفور، ولا يعرف أحد سر جزء الراديو الذي يُفقد جهاز الهاتف المحمول القدرة على الاتصال والاستقبال.
وأدى انتشار إشاعة "الزئبق الأحمر" إلى وقوع الكثير من حالات النصب والاحتيال في السويداء، ومنها قصة الشاب (ع . ن) الذي أغرى العديد من الأشخاص وأوهمهم بوجود الزئبق الأحمر-كما يقول الناشط أبو سيف (اسم مستعار) لـ"زمان الوصل" مضيفاً أن الشاب دأب على إيهام بعض الأشخاص السذج بوجود مادة الزئبق الأحمر لديه من خلال بعض الأدوات البسيطة ومن ضمنها موتور كهربائي وفيوزات راديو قديم مستعملة وأنبوبات زجاجية بأحجام وقياسات مختلفة تشبه تلك المستخدمة في المخابر الطبية والخرز الأحمر والأشرطة الكهربائية.
وأوضح محدثنا أن الشاب المذكور احتال على العديد من الأشخاص موهماً إياهم بحيازة الزئبق الأحمر وكان -كما يقول- يقوم بتركيب المادة المزيفة باستخدام زئبق فضي وصبغة حمراء يقوم بوضعهما ضمن أنبوبة زجاجية صغيرة وتركَز الأنبوبة على الفيوز الكهربائي، فتظهر على شكل زئبق أحمر أصلي، ويقوم بتجريب المادة باستخدام الأنابيب مع الألمنيوم والليمون وإظهار الخرز الأحمر على أنه زئبق حقيقي.
رافقت إشاعة وجود الزئبق الأحمر في أجهزة الراديو إشاعات أخرى بين أوساط الناس عن إمكانية العثور على كميات من الكنوز القديمة المدفونة تحت الأرض بواسطة "الزئبق الأحمر" الذي يستخدمه الدجالون والمشعوذون في استخراجها. وحول علاقة الزئبق الأحمر بالجن وباستخراج الكنوز أوضح الباحث في مجال السحر والماورائيات (محمد كبتاوي) لـ"زمان الوصل" أن الزئبق الأحمر ارتبط منذ القدم بالجن والشياطين والكنوز المجهولة، وهناك -كما يقول- بعض الذين يمارسون السحر وتحضير الأرواح يدّعون أن الجن يطلب منهم الزئبق الأحمر ليتغذوا به ويمنحهم القوة والشباب، علماً أن هذه المادة لا تأثير لها على الجان إلا إذا حصل عليه من إنسان -كما يقول- ولهذا يطلب الجان من الدجال والمشعوذ الذي يتعامل معه أن يحضر له زئبقاً أحمر بكميات معينة وبدرجة نقاء وقوة تصل إلى 97 % وبالمقابل يلبي الجان للإنسان ما يطلبه وظهر تبعاً لذلك ما سمي بـ"التنزيل" وهو ما يمارسه الدجالون والمشعوذون من تنزيل الأموال المسروقة للزبون عن طريق استخدام الجان أو الاستدلال من خلالهم على مخبوءات أثرية أو ذهبية، لذلك يتهافت ضعاف النفوس على الزئبق الأحمر لاعتقادهم بقدرته السحرية على تحقيق ما يريدون من القوة والثراء.
وبدوره أشار مهندس كيماوي، فّضل عدم ذكر اسمه، إلى أن "الزئبق الأحمر عبارة عن بودرة معدنية حمراء اللون ذات إشعاع تُستخدم في عمليات ذات صلة بالانشطار النووي، ومصدر تصنيعه وتصديره أو تهريبه لدول العالم -كما يقول-هي دول الاتحاد السوفيتي السابق، إذ تقوم بعض العصابات بتهريبه من داخل المفاعلات النووية هناك ليباع بملايين الدولارات في الخارج.
وأبان محدثنا أن "هذه المادة غالية الثمن، فهي أغلى من الذهب والبلاتين، بل وأغلى من اليورانيوم المشع، لافتاً إلى أن "ثمن غرامات قليلة منه قد يصل إلى ملايين الدولارات، وهو مادة شديدة الكثافة إذ تبلغ كثافتها 23 غراماً في السنتيمتر المكعب، وتتميز بأنها أعلى كثافة من أي مادة معروفة في العالم، بما في ذلك المعادن النقية".
وأفادت مصادر لـ"زمان الوصل" منذ أيام أن القوات الأمريكية نفذت عملية إنزال جوي نهاية أيار/مايو الماضي استهدفت خلالها بيوت في قرية "الجويسمية" بناحية "الهول"- شرق الحسكة- بعد تلقيها معلومات من عملائها بوجود مادة "الزئبق" لدى أشخاص هناك ويعتقد أنهم حصلوا على كميات منها، وتعزو بعض الروايات أحجية "الزئبق الأحمر" إلى أن كميات قليلة سُربت إلى سوريا بعد غزو العراق، واجتهد النظام وحليفه حزب الله اللبناني في البحث عنه، حتى أن الناس بدأت بالبحث عن أجهزة الراديو القديمة وقتها لاستخراج الزئبق.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية