حمل "شيخ المجاهدين" (أبو بلال المجاريش) السلاح وهو على أبواب السبعين من عمره، وخاض غالبية معارك التحرير على ثرى حوران والقنيطرة، لا تنقصه عزيمة الفرسان ولا تخيفه ضخامة الحشود، يتقدم الشبان في كل كرّة بقلب غضنفر صنديد، ويتأخر عنهم عند العودة إلى الديار، فلا تسبق خطاه خطاهم حتى يطمئن أنهم جميعا حاضرون أمامه، فهو كما قالوا: "أب حنون لا يهنأ إلا باجتماعنا سالمين غانمين ومنصورين".
استحق "يوسف طلحة عثمان المجاريش" (أبو بلال) لقب "شيخ المجاهدين" و"عمر المختار السوري" بجدارة، فهو خزان هائل من البطولات، وينقل رفاقه في السلاح قيامه خلال معركة تحرير بلدة "معربة" بربط قدميه بـ"السُّلُك" حطة الرأس، لكي يعرف الشبان المرابطين معه أن أبا بلال باقٍ حتى النصر أو الشهادة، وكانت الغلبة يومها لأبي بلال ورفاقه، لأنهم أظهروا صلابة وبأسا شديدين أخافت جنود الأسد الذين فروا هاربين في كل الاتجاهات.
في كل معركة خاضها أبو بلال كان هو الشاحذ للهمم ولعزائم المقاتلين، والمثل الأعلى بالبطولة والشجاعة، تسبق أفعاله أقواله في كل جولة، وعند كل صيحة تدعو لمعركة جديدة هدفها تحرير بلدة أو مدينة كان أول الحاضرين ولا يتزحزح عن الجبهة إلا بعد إعلان النصر وتقهقر قوات الأسد مدحورة تحت الضربات الصائبة والموجعة.
في 30 حزيران -يونيو/2018، ترجل أبو بلال شهيدا عن عمر يناهز الرابعة والسبعين، بعد أن ذاد ببسالة عن بلدته "صيدا" مدافعا عنها وصامدا مع مجموعة من شبان الجيش الحر في وجه قوات الأسد والميليشيات الطائفية، التي حاولت اقتحامها مدعومة بالطيران الروسي.
وقبل استشهاده بساعات وجه "شيخ المجاهدين" رسالة لأبناء حوران قائلا: "أناشدكم الله لا حدا يطالع إشاعات عن سقوط بصر الحرير واللجاة. شعب حوران بيوكل الحجر. بوتين ما سأل فرنسا عن حوران... حوران ما في من زلمها بكل العالم بالكرم والطيب والمعارك. حوران أهل النخوة والرجولة.
لا تردوا على المثبطين.. حوران ما بتروح، لأنو الله مبارك فيها والرسول مر فيها. أناشدكم بالله، لا تطالعوا الدعايات هاي، بإذن الله ما بتروح لا اللجاة ولا بصر الحرير، ولا أي بلد، وإن راحت بنرجع نوخذها، الحرب كرّ وفرّ، وكل واحد بقدر يحمل السلاح حرام يطلع من بلده. الأطفال والنساء والشيوخ الكبار يطلعوا من القرى أما الشباب عيب عليهم يطلعوا. من ترك دارو كأنو تارك عرضو".
ومما قاله سابقا: "خرجنا لدفع الظلم عن أهلنا. حضرت جميع معارك حوران من نبع الصخر غربا حتى السويداء شرقا، ومن حدود الأردن جنوبا إلى اللجاة شمالا، مرورا بكل البلدات والقطع العسكرية، في جميع هذه المعارك كان النصر حليفنا وكنت في كل مرة أتمنى الشهادة وأقاتل كطالب للموت".
ويقول ابنه "محمد" إن أباه أوصاهم قبل وفاته بيوم أن "حوران غالية لا تبيعوها" مضيفا أن الشهيد رافق الثورة منذ بدايتها، حيث كان من أوائل المتظاهرين، وتعرض للاعتقال أربع مرات، تنقل خلالها بين جميع سجون الأفرع الأمنية (كسر عظم قفصه الصدري في آخر مرة جراء التعذيب)، كما كان من أوائل من حمل السلاح ليصبح قائدا ميدانيا للواء "أحرار الجنوب" التابع للجبهة الجنوبية.
يقول رفاق "شيخ المجاهدين"، إن كل ذرة من حوران تعرف "عمر المختار السوري" حق المعرفة، وكل من عرف "أبو بلال" تمنى أن يكون مثله في صولاته وجولاته ورباطه أمام حصون العدو، يدب في قلوبهم الرعب بأفعاله وصيحاته وتكبيراته.
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية