لم تسلم أي مدينة أو بلدة في السهل الحوراني من القصف الروسي والأسدي، فمنذ بدء الحملة العسكرية قبل 12 يوما، والصواريخ تتناثر في كل البقاع، مستهدفة الأرواح والشواهد الإنسانية وكل شيء يدب على وجه الأرض.
وكحال جميع البلدات، تعرضت مدينة "بصرى الشام" الأثرية والمدرجة على قائمة التراث العالمي لقصف همجي جوي، تسببت بتدمير مواقع لطالما تغنى السوريون بها على مر التاريخ والعصور.
القصف الروسي استهدف قلعة المدينة ومدرجها الروماني، محدثا أضرارا كبيرة فيهما، كما طال عدة مواقع قريبة من القلعة، كانت قبلة للسياح يأتون إليها من كل صوب، كـ"دير الراهب بحيرا وسرير بنت الملك ومبرك الناقة".
الباحث في مجال الآثار بجامعة "سوربون" الدكتور "أنس المقداد" أكد على أن مدرج "بصرى الشام" الأثري (القرن الثاني بعد الميلاد)، تعرض لقصف جوي من قبل طائرات الاحتلال الروسي وطائرات نظام الأسد، مشيرا إلى أن الغارات طالت أيضا الباحة الغربية، وأبراج القلعة، ومدخل متحف التقاليد الشعبية العائد للعهد الأيوبي، ومقر حاكم القلعة في العصر الأيوبي.

وشدد "المقداد" على أنه "حاول كثيرا دفع منظمة اليونسكو لأن تتدخل بهدف حماية تراثنا وآثارنا، لكن رسائله وصرخاته بقيت حروف ميتة بين جدران المنظمة".
وقال لـ"زمان الوصل" إن "منظمة اليونسكو التي تساند نظام الأسد لم تحرك ساكنا طيلة سنوات الثورة السورية، على الرغم من تعرض التراث والآثار السورية للقصف والتدمير، وما زالت سفيرة النظام تمارس وظيفتها في منظمة اليونسكو".
وأضاف: "القصف لم يقتصر على القلعة والمدرج، بل طال مدرسة أبي الفداء، والجامع العمري، وكاتدرائية بصرى الشام التي تعود الى العصر البيزنطي، ومسجد فاطمة".
وأوضح "المقداد" أنه تم قصف النسيج العمراني في مدينة بصرى القديمة والذي يعود إلى عدة حقب زمنية، أهمها العصر النبطي، والروماني، والبيزنطي، والعصور الإسلامية، كالعصر الأموي والعباسي والسلجوقي الأيوبي والمملوكي والعثماني.
ولفت إلى أنه "طالب كثيرا من منظمة اليونسكو حماية المدينة وأهلها من القصف، لأنها مسجلة على قائمة التراث العالمي، لكنها لم تتحرك ولم تبد أي اهتمام".
وقال: "تقدمت بمشروع متكامل يهدف إلى حماية المدينة، وترميم ما تم تدميره، وإقامة معرض للآثار المدمرة، وتنظيم وإقامة دورات تدريبية لكوادر الآثار المحلية في المناطق المحررة، وحراسة المواقع الأثرية من النهب والعبث بها من الحفريات العشوائية، وشراء أجهزة كمبيوتر وتصوير لتوثيق المعالم الأثرية المدمرة، لكن المنظمة الدولية لم تعط لهذا آذانا صاغية".

من جهته، قال الصحفي "منصور العمري": "رفضت اليونسكو بإدارة (إيرينا بوكوفا) المديرة السابقة، إدانة قصف نظام الأسد لقلعة بصرى الشام والآثار الأخرى، أو الإشارة له بأي كلمة في تقاريرها، رغم أنها كانت صريحة في إدانة تدمير داعش لآثار تدمر، ولم تذكر تخريب جيش الأسد هناك أيضا".
وأضاف: "كما رفضت طويلاً التعاون مع مدير القلعة والهيئة المسؤولة عن آثار "بصرى الشام"، رغم الطلبات المتكررة لتقديم المساعدة لترميم ما تعرضت له القلعة وآثار بصرى الشام".
وأوضح "العمري" إلى أن التقارير الإعلامية تشير إلى انحياز إدارة اليونسكو السابقة وعدد من أعضاء المنظمة الأممية إلى نظام الأسد وانتمائهم العلني السياسي لما يسمى محور الممانعة، وهو ما يتعارض مع المبادئ الأساسية للأمم المتحدة واليونسكو.
وختم "العمري" بالقول: "بعد تغيير الإدارة وتسلم الفرنسية (أودري أزولاي)، نتمنى أن ينتهي هذا الانحياز وعهد (أيرينا بوكوفا) الذي لوّث الأهداف السامية لمنظمة إنسانية كاليونسكو".
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية