أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مشروع قرار معدل من اجل عينيها ... شوقي حافظ

شيء ناعم مثل قطن مندوف كان يلامس ساقه العارية..استيقظ من نومه وفتح عينيه بصعوبة بالغة..كانت قطته السيامية (بوسي) تحتضن ساقه بشعرها المنفوش..ما ان رأت عينيه مفتوحتين حتى اخذت تلعق الساق العارية بلسانها الرطب..مسح ظهرها براحته فقوسته الى اعلى ونظرت اليه بامتنان بعينيها الزرقاوين..غادر الفراش مجهدا وتحرك متثاقلا صوب المطبخ..فتح صنبور المياه على رأسه بينما القهوة تنضج على نار الموقد..حملها برفق مع شرائح خبز وجدها في احد الأركان..اخذ يلوك بفمه اللقيمات اليابسة ويرتشف القهوة بتمهل وهو يطالع بعينيه عناوين الصحف..لا شيء يبدو جديدا..قوائم القتلى اليومية ترفع رصيدهم في بغداد وغزة..فجأة لفت انتباهه بشدة عنوان كبير يتحدث عن قرار لمجلس الأمن الدولي بتطبيق البند السابع من ميثاق الامم المتحدة وارسال قوات دولية الى حديقة منزله..بجانب العنوان صورة لرجل متجهم له شارب ابيض كثيف متهدل على جانبي فمه..الشارب ذكره بذيل قطته التي ترفعه عاليا وتحركه يمينا ويسارا مثل علم خفاق.
هل هذا معقول؟ أيكون مازال يحلم في غفوته؟ خمش ساقه العارية بأظافره الطويلة بقوة آلمته..أدرك عندها انه في تمام يقظته..عندما عجز عن استيعاب هذا القرار العجيب ضحك بصوت مرتفع وقال ان هناك شيئا ما خطأ فيما قرأه..ما علاقته الشخصية بالسياسة واهلها ولماذا حديقة منزله تحديدا؟ عاود القراءة ليجد ان الخبر صحيح..اسمه الثلاثي مدون مع وظيفته وعمره ومحل اقامته..ابتسم لنفسه قائلا: كان عليهم تحديد فصيلة الدم لتحري مزيد من الدقة..استلقى على ظهره فوق الأريكة فبادرت القطة الى النط لتستقر في حضنه..اعاد التفكير بدهشة في هذا القرار وهو يظن ان في الأمر خدعة ما وعاود التساؤل: لماذا هو ولماذا حديقة منزله؟ .
اخذ يستعيد من الذاكرة تفاصيل حياته..ليس فيها ما يلفت انتباه احد باستثناء ابنة الجيران التي كانت تحبه من طرف واحد ، وحتى الآن لا يعرف لماذا ، وليس في ذلك ما يبرر استصدار قرار دولي ضده ، حتى كراهيته للوجبات السريعة ومشروب الكولا ليس مبررا للتأهب لقصف رأسه..خمش شعره المنكوش بأظافره وتساءل: هل ترقد حديقة منزله فوق مخزون هائل من النفط مثل دارفور؟ شعر بالزهق من الموضوع برمته لسخافته الشديدة ولا معقوليته..مواء بوسي الذي تعالى أعاده الى الواقع..ادرك ان القطة جائعة فنهض الى البراد واحضر علبة الحليب..صب كمية منه في اناء مسطح واخذ ـ مندهشا ـ يتأمل بوسي وهي تلعق ريوقها بلسانها الجميل ، واندلعت في رأسه فكرة شديدة الغرابة والاثارة: هل يكون لبوسي اي علاقة بصدور هذا القرار الدولي المجنون كمن اصدروه؟.
عاود التأمل في شعر بوسي الابيض بخطوط رمادية عشوائية تتمازج معه في الظهر والرأس..لقد اصبحت هي الحقيقة الوحيدة في عالمه الشخصي: طالبت النسوة بتطبيق قرارات مؤتمر برلين فعافتهن نفسه واستغنى ، ولاذ بقول من قال: الحرية هي معرفة الضرورة ، وليس من ضروراته معاشرة كائنات تطالب بما يجعلها في منطقة وسيطة بين الذكر والأنثى..مارس القادة والزعماء الغش والكذب فانسحب من العالم الخارجي الى الداخل ، في استبطان لمعاني الصدق والشرف..استبد الخبل بأدمغة الساسة وبلغ الجنون مداه بأحدهم فأعلن انه موفد رسولي لاقامة دعائم مملكة الخير على الأرض مثل النبيل دون كيخوتا ، فاعتزل العالم حتى لا يصيبه أذى.
الجنون اصبح التفسير الوحيد المعقول للقرار الدولي الصادر بحقه وحق حديقته، ولكن ماذنب بوسي اذا لم يتخل عن ادمانه للعناد وعما يراه حقا مشروعا في مقاومة اي عدوان؟.
نظر بأسى لعيني القطة التي كانت تتمطى بكسل بعد ان تناولت افطارها..التقت عيناه بعينيها في نظرة عميقة بالغة الدلالة..خرخرت بصوتها الخفيض ورفعت ذيلها وحركته يمينا ويسارا..هذه هي طريقتها الأثيرة في التعبير عن الحب..شعر الذيل القطن المندوف ذكره بشارب ذلك الرجل..ربما يكون هو من وراء صدور القرار الدولي ، لهذا قرر ان يصبح اكثر جنونا ويطلب منه اعداد مشروع قرار معدل من اجل عيون بوسي!.

جريدة الوطن العمانية






(126)    هل أعجبتك المقالة (113)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي