في الثامن من الشهر الجاري، أصدر الادعاء العام الفيدرالي الألماني مذكرة اعتقال دولية بحق رئيس جهاز المخابرات الجوية اللواء "جميل الحسن"، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تتضمن قتل معتقلين سياسيين تحت التعذيب في سجون الجهاز الأمني ذي الصيت السيئ.
وأتت مذكرة الاعتقال نتيجة شكوى مقدمة من ناشطين حقوقيين اتهموا "الحسن" بممارسة القتل والتعذيب والعنف الجسدي، وهذا ما اعتبره كثر أنه فرصة كبيرة لإعادة إحياء الآمل فيما يخص محاسبة مرتكبي الجرائم بحق الشعب السوري.
ويعول الكثير من السوريين على المسار الحقوقي والقضائي، في حل قضيتهم، وذلك بعد حالة الاستعصاء الدولي تجاه ما يجري في بلدهم، فالدول الفاعلة على الساحة الدولية لم تفعل شيئا سوى التفرج، ملقية جميع ذرائعها على عاتق مجلس الأمن المكبل بالفيتو الروسي.
عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سوريا، المحامي "ميشال شماس" اعتبر أن مذكرة التوقيف الألمانية بحق "الحسن" خطوة "تاريخية في سبيل تحقيق العدالة للسوريين، ومحاسبة المجرمين الذين لن يكون لهم مكان آمن بعد الآن، وهي ستشكل رسالة قوية لهؤلاء المجرمين ومن يعمل تحت أمرتهم أيضاً أنه لن يكون هناك إفلات من العقاب، كما وستحاصرهم في أوكارهم، وهي ستشكل أيضاً حرجاً لداعمي نظام الأسد".
وفي تصريح لـ"زمان الوصل" قال المحامي السوري: "من المهم أن أشير هنا إلى ما قاله السيد (فولفغانغ كاليك) الأمين العام لمنظمة المركز الأوروبي لحقوق الإنسان الدستورية، وهي الجهة الرئيسية الداعمة لقضايانا: (إن إصدار هذه المذكرة يشكل نقطة انعطاف وخطوة هامة لصالح المتضررين من منظومة تعذيب الأسد، ولصالح الناجين وعائلات الضحايا وللمعتقلين الذين ما زالوا قابعين في مراكز اعتقال الحكومة السورية)".
وأوضح "شماس" أن بشار الأسد من ضمن الثلاثين مسؤولاً المدعى عليهم في الدعاوي الأربع التي أقيمت في ألمانيا، وكذلك الدعوى التي أقيمت مؤخراً في النمسا ضد 26 مسؤولاً.
وأشار إلى أن فريقهم القانوني يعمل على هذه الدعاوي منذ نهاية 2015، مؤكدا على أنه سيكون هناك دعاوٍ جديدة، متوعدا بالقول: "قد تسمع قريباً عن إقامة دعاوي أخرى في بلدان تسمح قوانينها بتطبيق مبدأ (الاختصاص العالمي) كالسويد والنرويج".
وأضاف: "استندنا في إقامة هذه القضايا على الدول التي تأخذ بمبدأ (الاختصاص العالمي)، وهو مبدأ عالمي يمنح لكل قضاة العالم أهلية متابعة ومحاكمة مرتكبي الجرائم الأشد خطورة، طبقاً لقوانين الدول التي تطبق هذا المبدأ، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجرم، وجنسية الأطراف".
واستناداً لهذا المبدأ من حق أي دولة أن تحاكم المجرمين المشتبه بهم على الجرائم التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية أو القانون الدولي العرفي، والتي تتمثل أساساً في جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وجرائم التعذيب".
وأوضح "شماس" أنه "يوجد أربع دول أوروبية هي ألمانيا، والنمسا، والنرويج والسويد، تأخذ محاكمها بمبدأ (الصلاحية العالمية) وتطبقه"، مثنيا في الوقت ذاته على جهود "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" ورئيسه الأستاذ "أنور البني" الذي "لم يهدأ لحظة واحدة منذ خروجه من سوريا في منتصف 2014".
وفي ذات السياق قال: "ساعدنا في إقامة الدعاوي الحصول على الترخيص لعمل (المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية) في برلين، وافتتاح مقر له مما سهل آلية العمل، والتحرك لكافة أعضاء المركز، الذين كثفوا جهودهم بالاتصال والتواصل مع المنظمات الوطنية، التي تبنت ودعمت فكرة تكوين قضية ضد مجرمي الحرب".
وبين أن معظم أعضاء "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" من المحامين الذين كان لهم دوراً بارزاً في الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سورية ومازالوا، وهم جميعهم يؤمنون بهذا العمل إيماناً كبيراً، و"هذا ما يسهل عملنا في هذه القضايا".
ولفت "شماس" إلى أن هذه الدعاوي "لا يمكن إقامتها دون أن تتبناها منظمات وطنية مختصة، وهذا ما تم فعلاً"، مشيدا بالدور الكبير لأعضاء المركز في التواصل مع الضحايا المتواجدين في الدول الأوربية وإقناعهم بضرورة الادعاء ضد المجرمين "هذا الأمر تطلب جهوداً كبيرة من العمل المتواصل، سواء مع الضحايا، أو مع المنظمات، التي تبنت دعم إقامة مثل هذه القضايا وما يحتاجه هذا العمل من جمع لشهادات الشهود والمدعين وترجمتها، إلى أن حصدنا أولى الثمار بإصدار مذكرة توقيف بحق مدير إدارة المخابرات الجوية اللواء جميل حسن".
وردا على سؤال حول إمكانية رؤية بشار الأسد ماثلا أمام قضاء عادل، قال عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سوريا: "بكل تأكيد، إلا أن هذا الأمر يتوقف على قدرتنا في متابعة هذه الدعاوي وغيرها، وكذلك يتوقف على طبيعة التطورات المستقبلية، التي لا نستطيع التحكم أو التكهن بها. ومن جهتنا مستمرون في هذا الطريق إلى نهايته".
وفيما يتعلق بمحكمة الجنائية الدولية وإمكانية الوصول لها من دون مجلس الأمن، عبر "شماس" عن آسفه، لأن ذلك غير متاح حالياً، فـ"اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية مقيد بتحقق أحد الشروط التالية: أولاً يجب أن تكون الدولة المطلوب إحالتها إلى المحكمة موقعة على اتفاقية إنشاء هذه المحكمة، ومن المعروف أن سوريا لم توقع على اتفاقية هذه المحكمة. ثانياً أن تتم الإحالة بقرار من مجلس الأمن الدولي، وهذا الأمر غير متوفر الآن في ظل وجود الفيتو الروسي. ثالثاً عن طريق مدعي عام محكمة الجنايات الدولية الذي يستطيع أن يجري تحقيقاً من تلقاء ذاته حول سوريا بعد أخذ موافقة هيئة المحكمة نفسها، وهذا ما لم يحصل حتى الآن، ربما نتيجة فشل السوريين في إقناع وحث المدعي العام لإجراء تحقيقات حول الجرائم المرتكبة في سوريا".
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية