خرجت علينا وسائل إعلام نظام الأسد بجملة كبيرة من الأعمال الدرامية في هذا الموسم الرمضاني، لكن طريقة إخراج وكتابة هذه الأعمال، جعلت السوريين يترحمون على أيام "باب الحارة" في أجزائه الأخيرة، فلا يحتاج المرء إلا لجولة واحدة فقط لرؤية حلقة من كل مسلسل ليعرف أنها أنتجت لتمجد القاتل وتبارك جرائمه بحق الأطفال والنساء، ولتظهر جيش التعفيش الذي دمر المدن والبلدات على أنه حمامة سلام وملاك منزل من السماء، أما من وقف ضد بشار الأسد فهو خائن وعميل لا يصدر عن أفعاله إلا الشر والخراب.
المتابع للدراما لمس الضعف الكبير في الحبكة والافتقار إلى القصة، لدرجة أن بعض الكتاب تقمصوا شخصية جيشهم "المغوار و"عفشوا" مسلسل "ريا وسكينة" المصري ليتحول إلى مسلسل بيئة شامية بين عشية وضحاها، فيما عملت بقية الأعمال على تشويه صورة الشعب السوري وإظهاره على أنه منحل أخلاقيا واجتماعيا، فبدءا من حالات الخيانة التي لم تخلُ من أي مسلسل، ومرورا بتعاطي المخدرات التي كانت بمثابة إعلان مجاني لمنتجات ميليشيا حزب الله الإرهابي، وانتهاء بتشجيع السرقات وتشكيل العصابات.
الفنان والمخرج السوري "بسام قطيفان" اعتبر أن السبب في وصول الدراما إلى هذا المستوى يعود إلى "هروب وخروج الكثير من الكوادر المهمة إلى الشتات العربي والعالمي، وتراجع القوة المالية الداعمة أو المنتجة وتزايد الفرز والاصطفافات السياسية والأمنية، التي تجعل من العمل الفني الحر، والفنان أيضا، محاصر وقليل الخيارات، فلابد من هذه النتيجة التي نراها جميعا، والتي بدأت تدخل في طور المستوى المتواضع بل والمعيب أحياناً".
وقال "قطيفان" في تصريح لـ"زمان الوصل" إن "الفن عموما في بنية المجتمعات والحكومات هو جزء من تركيبتها الثقافية والتوجيهية وحتى الأيديولوجية، إذ لطالما استُثمر الفن، ويُستثمر، في تمرير رسائل وأهداف النظام السياسية الكبرى في السيطرة على سياقات المجتمع.. والنظام هو أحوج ما يكون اليوم لمثل هذا (السلاح) كي يدعم به ترسانته في حربه ضد الشعب السوري وثورته".
وأضاف: "الأعمال السورية مثل أي سلعة تعرض على الفضائيات المرتبطة بأجندات منها ما هو تسويقي فني ومنها ما هو سياسي.. فهناك أعمال كثيرة ترفضها القنوات العربية لتدني مستواها الفني ولا تنطوي على مكاسب تسويقية تجارية.. وهناك أعمال ترفضها بعض القنوات لتباين طروحاتها مع أجندات الدول التي تتبع لها هذه القنوات.. وأضيف أنه أحيانا وببساطة، يكون ضعف الكادر التسويقي لبعض الأعمال هو سبب في تراجع تسويقه".
وفيما يتعلق بعدم إقبال القنوات العربية على الأعمال الدرامية السورية، أوضح "قطيفان" أن "على الشركات أن تعيد النظر في مستوى ما تقدم من مشاريع فنية وأعمال لجمهور بات يميل نحو دراما أخرى (خارجية) تقدم له ما يرغب ويحب ويدغدغ نوازعه (كالأعمال المدبلجة) والتي لا أشك أن بعضها ينطوي على قيمة فنية، ومستوى إنتاج عالي جداً تصعب مجاراته ضمن المعادلات الإنتاجية السائدة لدينا.. وذلك فأنت لن تحصل على استقطاب الجمهور والقنوات بموضوعات ساذجة وبعيدة عن الهموم التي تمس وجود وكيان هذا الشعب، لا بل وفوق ذلك إمكانيات تقنية وإنتاجية وفنية متواضعة..فهذا لا يمكن أبداً".
وفي سؤال عن ما إذا كان لدراما النظام تأثير على الشعب، علق "قطيفان" بالقول: "لا أرى من الصواب تصنيف الدراما السورية إلى دراما نظام ودراما معارضة.. لأنه تصنيف غير محقق في الواقع.. إلا أن الدراما التي تُنتَج من خلال شركات تهادن وتسوق طروحات النظام ورؤيته هي سلاح ذو حدين بالنسبة لنا كسوريين، فإن كانت ضعيفة.. جعلت الجمهور يبتعد عنها ولا يتفاعل مع طروحاتها، وبذلك نخسر سوية فنية وفرصة نهوض درامي. لكن الأخطر من هذا، هو أن تكون هذه الدراما تُنتج وتُصنَّع بسوية عالية وذائقة رفيعة من جهة، وهي تحمل وتنطوي على سموم النظام وطروحاته ورؤيته من جهة أخرى ساعتها سيكون لدعاية النظام ونتاجاته الفنية أثر لن نتمكن من نكرانه على الجماهير سواء في سوريا أو خارجها".
وتمنى "قطيفان" للدراما السورية عموما عودة أقوى في ظل دولة كرامة وحرية تختلف عن هذه التي تغتصبها اليوم.
*دراما على حطام ما تبقى من الوطن
منذ تسلم نظام الأسد زمام الحكم في سوريا، سخر الدراما والسينما والمسرح لخدمة مشاريعه السياسية، فروج لانقلابه على أنه "حركة تصحيحية"، وهزائمه مع "إسرائيل" كانت "نصرا"، حتى ما كنا نشاهده ويحمل نوعا النقد والجرأة كانت بإرادة النظام وإشراف أجهزته الأمنية.
الصحفي والسيناريست "سامر سليمان" أكد على أن الدراما لم ولن تخرج عن عباءة الأجهزة الأمنية، لكن كان هناك توجه بإعطاء مساحة من حرية التعبير بشكل مقصود من خلال الأعمال الكوميدية، وذلك بعد أن تتم الموافقة عليها من قبل الأجهزة الأمنية، ومن المستحيل أن يرى أي عمل درامي النور ما لم تتم الموافقة عليه.
وقال لـ"زمان الوصل" إنه "بعد اندلاع الثورة السورية اختصرت الأعمال الدرامية السورية على تصوير ما يجري في سوريا على أنه مؤامرة حسب وجهة نظر النظام، وإظهار الناس الذين خرجوا للمطالبة بالحرية كمتآمرين على الدولة وخارجين عن القانون وأغبياء".
وأضاف: "في بداية الثورة السورية ورغم وجود القتل والدمار، كانت الدراما تصور أن سوريا على أنها بخير، متبنية وجهة نظر الأجهزة الأمنية ومتناسية الحرب التي طحنت كل شيء".
وشدد على أن "تمويل الأعمال الدرامية اليوم يقتصر على رجال أعمال وشركات إنتاج مقربة من السلطة، وأصبح إنتاج الدراما بمثابة غسيل أموال لأغلب الشركات الممولة. ولم يعد يهم جودة الإنتاج الدرامي ولا كثرة عرضه على المحطات بقدر ما كانوا يعتقدون به إقناع الشارع السوري بوجهة نظر النظام".
وأرجع "سليمان" سبب تراجع الدراما السورية "لوجود أزمة نص حقيقية، حيث بدأ كتاب الدراما يكتبون النصوص على مقاس السلطة، بالإضافة إلى غياب نجوم كان لهم دور مهم في تألق الدراما من ممثلين ومخرجين وكتاب وفنيين بسبب مواقفهم المعارضة لنظام الأسد".
وأوضح: "بعد أن وصلت الدراما السورية إلى أوج تقدمها وازدهارها خصوصاً ما بين عام 2000 و2010، بدأت بالانحدار بشكل تدريجي ولعل أهم الأسباب التي أدت إلى هذا الهبوط تسخير الدراما في ظل الأحداث التي عصفت في البلاد تمثل وجهة نظر النظام في سورية بشكل واضح".
وأشار إلى أن "الدراما السورية ستحتاج لوقت طويل من الزمن لإعادة بناء الثقة بها، ولن يتم ذلك ما لم يتم نزع وصاية الأجهزة الأمنية عليها التي باتت تتدخل بأدق تفاصيل هذه الصناعة".
وختم "سليمان" بالقول:" بدأت الدراما السورية من دراما كانت تحصد أهم جوائز في الوطن العربي عندما كانت "دراما الواقع" ولامست هموم ووجع السوريين، ولو بشكل جزئي، لتتحول إلى دراما قائمة على ما تبقى من حطام وطن ساخرة من آلام ملايين السوريين الذين تدمرت بيوتهم وتهجروا خارج الوطن".
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية