عند الحديث عن أي معركة محتملة أو صفقة سياسية دولية متعلقة بالجنوب السوري المحرر، يتبادر إلى الذهن مصير مئات الآلاف من المدنيين الذين يقيمون على هذه الأرض، فإن أذن للحرب أن تقوم فستدور رحاها عليهم، وإن نفذ مشروع المصالحات فإن مخطط الترحيل سيكون أهم ثماره، وبالتالي سيحرمون من أرضهم، لهذا يعتبر البعض أن المدنيين اليوم بين خيارين أحلاهما مرٌ.
الواقع على الأرض يقول إن المدنيين منقسمون بين غير آبهين للتهديدات "فالمنطقة منذ ثمانية أعوام تشهد حروبا طاحنة وفي النهاية يخسر فيها النظام"، وبين متخوفين من المجازر وخسارة الأرض بمخططات التهجير القسري، خصوصا أن مشهد الغوطة الشرقية مازال حاضرا في أذهان الجميع.
"سعيد المصري" بائع مواد استهلاكية أكد على أنه لم يطرأ أي تغيير على حركة البيع في السوق، "فهي تسير كالمعتاد، ولوحظ وجود إقبال كبير من قبل المدنيين على شراء المواد الغذائية، فالأهالي في مثل هذا الوقت من العام يخزنون (المونة) لفصل الشتاء".
المشهد ذاته نقله المدرس "أحمد الحريري" بالقول "إن الدعايات التي يتم بثها عن اقتراب المعركة لم تؤثر على سير العملية التعليمية، خصوصا هذه الأيام التي تتزامن مع امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.
"مصطفى المحاميد" مدير الدفاع المدني بدرعا (الخوذ البيضاء) أفاد بأن فرق الدفاع المدني منتشرة في كل المناطق المحررة، مؤكدا على الجاهزية القصوى للتحرك عند أي طارئ.
وقال "المحاميد" لـ"زمان الوصل" إن "فرق الدفاع المدني تنتشر على 16 مركزا، 25 عنصرا لكل مركز، وجاهزيتهم جيدة جدا، تعمل على مدار اليوم بشكل مناوبات. لدينا من الآليات ما يكفي للعمل، ولكن يوجد نقص بالمعدات إلا أنها، رغم النقص، قادرة على الاستجابة لأي معركة أو قصف".
ولم يستبعد "المحاميد" انتهاج سياسة استهداف كوادر وفرق الخوذ البيضاء من قبل روسيا ونظام الأسد، في حال نشوب معركة، قائلا: "لا شك هناك تخوف كبير من استهداف فرقنا في المراكز أثناء الاستجابة، فالروس والنظام الأسد يعملان وفق المنهج الإجرامي القائم على الضربات المزدوجة لنفس مكان الاستهداف، في حال خرج الفريق لتلبية طلبات الإنقاذ، وهذا حدث سابقا في عدة أماكن، كما حدث أيضا في ريف دمشق وحمص وحلب وإدلب".
من جهته قال رئيس المجلس المحلي لبلدة معربة "عماد عبد العزيز" إن "المجلس يعقد اجتماعات مستمرة مع المجلس العسكري، والمشفى الميداني، وهيئة الإصلاح، بالإضافة للوجهاء بهدف تأمين مستلزمات البلدة وإدارة الأمور في حال حدوث معركة أو أي حصار".
وأضاف "عبد العزيز" في حديث مع "زمان الوصل" أن الفعاليات الثورية التي تشمل المجلس المحلي، تقع على عاتقها مسؤولية تأمين الملاجئ والدواء والغذاء للمدنيين، مشيرا إلى هذه الأشياء تتطلب تكاتفا أكثر من جهة أو بالأحرى تكاتف كافة المواطنين، لأن هذه المعركة ستكون حسب ما قال "مصيرية وحاسمة للموقف، إما نكون أولا نكون".
وتابع: "نحن كأبناء حوران جاهزون لمواجهة أي موقف قد يفرض علينا بعون الله وبعزيمة شبابنا سواء كانوا عسكريين أو مدنيين. ولا نأمن للغرب ولا لوعودهم وضماناتهم، لا نراهن على أحد إلا على رب العالمين وأصحاب الأرض".
ونفى "عبد العزيز" وجود أي نوع من أنواع الخوف في صفوف المدنيين، ولا توجد حالات نزوح، مشددا على أن شعار أهالي حوران ما زال إلى اليوم "مازال الموت ولا المذلة".
*فرضيات المعركة والتهجير
الصحفي "وليد سليمان" يرى أن السبب الرئيسي في التأثير على معنويات المدنيين "إن تأثرت" هو "الهدنة" التي تم إبرامها قبل عام ونصف بين واشنطن وعمان وموسكو، فالمدنيون "اعتادوا على نوع من الهدوء بعد ستة أعوام من المعارك الطاحنة".
وأوضح "سليمان" أن أرض حوران شهدت منذ عام 2011 عشرات المعارك الكبرى، والتي لم تكن تخلو ارتكاب مجازر بحق المدنيين، إلا أن هذه المعارك والحروب لم تؤثر أو تخِف المدنيين.
وقال لـ"زمان الوصل" إن أي معركة مقبلة ستكون نتائجها دون أدنى شك لصالح الثورة، والمدنيين، فهي كفيلة بتوحيد الثوار سواء كانوا عسكريين أم مدنيين، كما أنها ستكون فاتحة لتحرير مناطق جديدة، كما حدث في معركة (عامود حوران 2012) التي بدأت بهجوم من قوات الأسد، لكنها انتهت بتحرير مدينة "بصر الحرير"، وتوالت من بعدها المعارك حتى معركة (الموت ولا المذلة) التي بدأتها قوات الأسد للوصول إلى جمرك درعا القديم، لكن نتائجها أتت بتحرير حي "المنشية المحصن".
ووجه "سليمان" رسالة طمأنة للمدنيين معتبرا بأن النظام أجبن من أن يخاطر بمعركة ستكون خاسرة بالنسبة له، إذا ما كانت تهمه أرواح عناصره، كما أن الحديث عن وجود مفاوضات بخصوص دخول قوات إلى المنطقة الجنوبية هو محض أكاذيب، مشددا على أن مصير درعا مرتبط بالحل السياسي وفق مقتضيات "جنيف".
الناشط الإعلامي "محمد السلامات" أشار إلى أن الحرب النفسية التي تشنها روسيا وعميلها نظام الأسد، تجاه محافظتي درعا والقنيطرة من تصوير أرتال عسكرية ضخمة، وإلقاء منشورات لإجبار الأهالي على المصالحة، أثرت على معنويات عدد كبير من المدنيين، لكنه أكد على أن تطمينات الجيش الحر والثوار رفعت من معنويات المدنيين وجعلتهم يشعرون بالحماية والأمان على مصيرهم لأن الثوار أكدوا على أنهم سيدافعون عن أرضهم حتى آخر قطرة دم ولن يسلموها لروسيا والنظام.
وشدد "السلامات" على أن المدنيين لن يرضوا بالمصالحة مع نظام الأسد بعد ما رأوه من مشاهد إجرام وحالات اعتقال جماعي بحق المناطق المحتلة بالغوطة الشرقية، لافتا إلى وجود إجماع كامل في صفوف المدنيين بضرورة القتال حتى أخر رمق والوقوف يدا بيد مع الجيش الحر لأن المعركة واحدة وتستهدف الجميع.
وأثنى "السلامات" على ما أسماها "الحرب النفسية المعاكسة" من قبل الثوار بعد أن ألقوا منشورات في مناطق النظام، كما أظهرت العروض قوتهم وكثرتهم وحجم سلاحهم، مرجحا أنها هذه الحرب عملت عملها في صفوف الشبيحة ودبت الرعب في قلوبهم، وهذا ما شاهدنا بحسب قوله في مظاهرات الساحل التي وجهت رسائل لبشار الأسد مفادها أنه لم يعد لديهم رجال ليحاربوا في درعا.
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية