عاد حي "الحمراوي" المجاور للمسجد الأموي لمشهد الاعتداءات الكبيرة على دمشق القديمة بعد قرار مجلس محافظة دمشق بنقل بعض أملاك المحافظة إلى (شركة دمشق الشام القابضة) ومن بينها العقارات المستملكة في حي "الحمراوي" بدمشق القديمة.
الغاية من هذا الإجراء، كما جاء في تبرير أحد أعضاء المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق في تصريحه لموقع "الاقتصادي"، (نقل أملاك المحافظة وبعض المشاريع للشركة هو لتفعيلها بعيداً عن الروتين، والحصول على عائد مادي كبير تستطيع من خلاله المحافظة زيادة المشاريع الخدمية المنفذة لصالح المواطنين).
هذه العودة الغريبة لحي "الحمراوي" تأتي بعد أن تيقن أهالي المنطقة من أن قرار الاستملاك سقط بالتقادم كونه واقعا في عام 1960 أي قبل ما يقرب من 60 عاماً، وهو ما ناضل لإلغائه لجنة الأهالي والإعلام قبل اندلاع الأحداث بسبب المحاولات الحميمة لهدمه وتسليمه للقطاع الخاص كي يتحول، كما أغلب بيوتات المدينة القديمة إلى ملاهٍ ومطاعم، وإلغاء الطابع المحافظ للمدينة القديمة التي تعتبر قلب العاصمة وذاكرتها التي أهملها النظام طوال عقود في محاولة لإرغام أهاليها على تسليمها.
*صراع البقاء
استملاك جائر من المحافظة لأكثر من 74 منزلاً و56 محلاً تجارياً في منطقة حيوية من المدينة القديمة تضم كافة المهن التي يعتز بها الدمشقيين، إضافة إلى بيوت توارثها أهاليها أباً عن جد، وتعني لهم فوق قيمتها المادية قيمة وطنية وأخلاقية.
استمات الأهالي وخلفهم أغلب الصحف المحلية والرسمية منها في الدفاع عن جزء من تراث دمشق، إلا أن قوى متسلطة حاولت أكثر من مرة بالتعاون مع فاسدي المحافظة ومنهم (بشر الصبان) المحافظ الأكثر عمراً في ترأسها وعلاقاته المفضوحة مع التجار والمستشارية الإيرانية قبل 2010 لكسر تشبث الأهالي، إلا أن المحاولات المتعددة فشلت بسبب تصدي الإعلام ومعه الأهالي لهذه المحاولات.
*قصة الاستملاك
يروي رئيس لجنة أحياء دمشق القديمة "بدر الدين العوف" قصة الاستملاك الجائر للحي لإحدى الصحف المحلية: (لقد شب حريق في السوق سنة 1960 والتهمت النيران جميع المحلات هناك وقامت المحافظة آنذاك بتأمين المحلات في الحريقة وفي التكية السليمانية، فأصدر المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية المتحدة "آنذاك" قرار استملاك باطلا لا يعتمد على النفع العام يحمل الرقم 281 تاريخ 28/11/1960 يقضي باستملاك الأحياء وأزقة "الحمراوي، المصبغة الخضراء، النقاشات، الخجا، معاوية الصغير، سوق القباقبية، والشارع المستقيم" بغية إنشاء سوق تجاري اسمنتي قرب الجامع الأموي).
و"العوف" هو من أهم الشخصيات التي لم تترك باباً إلا وطرقته، وفي كل مرة تجري لإعادة تفعيل قانون الاستملاك يعاود الرجل حملته بالاتصال بكل وسائل الإعلام، وبعض الشخصيات الوطنية القليلة التي تحب الشام القديمة وتدرك مدى الخطر المحدق بها.
*الإهمال كوسيلة ضغط
اعتمدت محافظة دمشق، وبلدية دمشق القديمة (مكتب عنبر) الإهمال كأحد وسائل الضغط على الأهالي من أجل تركيعهم، ولهذا أصبح على الأهالي أن يقوموا بالترميم على حسابهم، وكذلك ساهم الصرف الصحي المهمل والذي تسرب إلى بنية المنطقة التحتية في تعرض أكثر من منزل للانهيار والتداعي، ولم تفلح كثيراً نداءات الاستغاثة في نجدة أهالي المنطقة في قيام المحافظة بتدعيم الحارات القديمة للحي بالأعمدة المعدنية التي منعت سقوطها بسبب الضغوطات الكثيرة وخشية من افتضاح أمرها خصوصاً بعد استصدار قرارات هدم خاطئة وشائنة كالسوق العتيق، والسماح لبعض أبناء المتنفذين بالتعدي على حرمة المدينة القديمة بتحويل بيوتها إلى مطاعم وملاهٍ.
*نقل ملكية ومنع ترميم
من الإجراءات القذرة التي اتبعتها محافظة دمشق هي منع الأهالي من الترميم، وكذلك تحصيل إيجار بيوتهم التي توارثوها بموجب قرار الاستملاك.
يفند رئيس لجنة أحياء دمشق القديمة "بدر العوف" الغرض من ذلك في أحد لقاءاته: (لو تم الهدم لقضي على إحدى أجمل حارات دمشق التي سجلتها اليونيسكو في السجل الدولي للآثار والتراث يجب الحفاظ عليها ومثل هذا الحفاظ لا يتم في البيوت الدمشقية القديمة إلا بالترميم والعناية والمتابعة المستمرة، وهذا ما منعته المحافظة عندما أقدمت على نقل ملكية العقارات الى اسمها وبدأت بتحصيل الآجار من القاطنين والشاغلين، رغم أنها بيوتهم التي توارثوها عن الآباء والأجداد، كما قامت بإغلاق عدد من البيوت بحجة أنها متصدعة ومنعت بشكل نهائي وقاطع عمليات الترميم، الأمر الذي أدى إلى تشقق وتصدع تلك المنازل وسقوطها فوق رؤوس قاطنيها، كما حدث مع أحد أصحاب المنازل التي قضت إثر سقوط السقف عليها).
*اعتداء بالإجماع
كل المؤسسات العالمية الحكومية والأهلية أجمعت على أن ما يحصل لحي "الحمراوي" هو اعتداء على المدينة القديمة وتراث الدمشقيين والسوريين، منها اليونسكو وزارة الثقافة والآثار، وكذلك جمعيات أهلية، وقيام عدد كبير من أعضاء مجلس الشعب برفع عرائض احتجاج في سنوات عديدة قبل الحرب، إلا أن الإصرار الكبير على هدم الحي يحمل نوايا أولها كسر إرادة الدمشقيين، وتحويلها ليد غريبة يجمع أغلب المشتغلين بالأمر على أن لإيران وبعض رجالاتها اليد الطولى في هذا الخراب.
*دمشق القابضة
هي شركة اسستها محافظة دمشق برأسمال قدره 60 مليار ليرة سورية، وذلك لإدارة مشروع "تنظيم 66" في منطقتي "بساتين الرازي" و"كفرسوسة"، وهي مشاريع تطوير عقاري تم خلالها هدم أحياء بأكملها مقابل وعود كاذبة بتأمين البديل السكني والمالي لأصحابها، إلا أنها كسواها تذهب طي النسيان، وشهدت دمشق في عام 2007 هدم أحياء في مدينة "كفرسوسة لغايات منها شق طرق حول وزارة الخارجية، ولكن الأهالي تم طرد أغلبهم، وبعضهم تم نقله إلى مناطق نائية كمشروع "الحسينية" ومن ثم تم طردهم نهائياً.
الشركة يملك "رامي مخلوف" منها أكثر من 50 % بتحالفه مع شركات عديدة للتغطية، كما ذكرت مواقع إعلامية معارضة ومحلية للتغطية على عقوده بأغلب هذه المشاريع العقارية، فهل وصلت أذرع إيران إلى "الحمراوي"؟.
ناصر علي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية