*قلت لقائدي: لقد أنقذت طيارين سوريين من الهلاك، فهل كنت تريد موتهما، فرد: فيلموتوا المهم أن تنفذ الأوامر
روى طيار سابق في سلاح الجو التابع للنظام فصلا من استهتار الضباط الكبار وإصرارهم على الخطأ القائل، الذي كاد يدمر مقاتلتين حربيتين "صديقتين" ويقضي على حياة طياريها، تطبيقا لسياسة "نفذ ثم اعترض" الغوغائية.
الطيار "أ.ع" (تتحفظ زمان الوصل على ذكر اسمه كاملا) أفاد إن إحدى السنوات شهدت تنفيذ "مشروع جوي" شارك فيه ضباط قادة (من رتبة عميد فما فوق)، نظرا لأهميته العالية، وقد تم استباق المشروع بتدريبات استمرت قرابة 15 يوما.
وما انتهى المشروع ظهيرة ذلك اليوم، حتى أبلغ قائد السرب طياريه أن يحضروا إليه للاطلاع على "نتائج المشروع"، كما أبلغ الطيارين "أ"، وزميله "ن" أن عليهما مناوبة من "الدرجة الأولى"، وهو ما يعني بقاءهما مستنفرين ضمن طائرتيهما المذخرتين والجاهزتين للإقلاع في غضون دقائق.
وبالفعل، حدث ما كان متوقعا، فقد تم إعطاء إشارة الانطلاق لـ"أ" وزميله الأقدم منه رتبة "ن"، من أجل التحليق، وعندما صارا في الجو أتتهما التعليمات بالاتجاه نحو "سلمية"، وهنا يقول "أ" إنه ظن أن العملية تتضمن اشتباكا مع "طيران العدو الصهيوني"، فاستولى عليه الحماس وتحفزت كل حواسه للمعركة المرتقبة من أجل "الانتقام من العدو الغاشم الذي انتهك حرمة السماء السورية مرارا من قبل".
وفي هذه اللحظات أتت الأوامر الصريحة بأن "الهدف" أمامك على مسافة تقارب 30 كم، وعليك تدميره، ولكن "أ" استطاع -قبل أن يطلق- أن يميز "الهدف" جيدا ويتعرف إليه.. إنه مقاتلتان حربيتان "صديقتان" من طراز سوخوي، وليس هناك إطلاقا ذرة شك يمكن أن تجعله يتخيلهما من الطيران المعادي.
وعند هذه اللحظة الحاسمة تخاطب "أ" مع زميله "ن" محذرا إياه من الإطلاق على "الهدف"، ومؤكدا أن مقاتلي السوخوي هما "صديق"، فتجمد "ن" وعدل عن الإطلاق.
ولكن الضابط الكبير الذي يوجه من الأرض لم يعجبه أن تضرب أوامره بعرض الحائط، فزمجر موجها سؤاله لـ"ن": أنت من؟، فتلعثم "ن" وأجاب "أ" عوضا عنه: نحن مقاتل حقيقي، ثم عاد الضابط الكبير للاستفهام بلهجة أكثر إنكارا وحنقا، فأتاه نفس الجواب، وبعد إلحاح لأكثر من مرة على نفس السؤال، أتاه جواب صاعق من "أ": لو نظرت إلى الخطة الموجودة أمامك لما كنت سألت، وعندها غادر الضابط وهو في غاية الشعور بالإذلال والرغبة في الانتقام ممن عصى أوامره.
ومع انسحاب الضابط الحانق تدخل ضابط آخر من الأرض، فأعطي أوامر لـ"أ" و"ن" تخرجهما من منطقة طيران مقاتلتي السوخوي، ليهبطا بعد ذلك، وكلهما فخر (لاسيما أ) بالفطنة والحس العالي الذي مكنهما من تجنب تدمير طائرتين سوريتين وقتل طياريهما.
ولكن شعلة الفخر ما يلبث قائد السرب أن يقابلها بدلو من الماء البارد ليطفئها، بل ولينهال على "أ" بعبارات التقريع والتوبيخ، متسائلا عن من سمح لها بالتدخل والاعتراض على الأوامر رغم أنه –أي "أ" أقل رتبة من "ن"، ولايحق له حسب التراتبية العسكرية أن يبت بأمر بوجود رتبة أعلى تحلق معه.
ومع إن "ن" بادر لدى هبوطه إلى الثناء الكبير على "أ" وقراره الذي جنبهما وقوع كارثة جوية، كانا يمكن أن يدفعا ثمنها غاليا، فإن "ن" نفسه صمت عندما حضر قائد السرب ووبخ "أ" على فعلته، ولم يحاول أبدا أن يدافع عن زميله الذي كان يثني على شجاعته وفطنته قبل قليل، وهو سلوك شائع في جيش النظام الذي ربى معظم ضباط على مقولة "أنا ومن بعدي الطوفان"، فصار هم كل ضابط أن ينقذ نفسه حتى ولو أدى ذلك إلى تسريح أو حتى إعدام زميله أو أخيه.
صمت "ن"، جعل "أ" يحس بطعنة الغدر، وأعطاه جرعة شجاعة للرد على قائد السرب ومطالبته بالتوقف عن الكلام، محاولا حشر قائد السرب وهو يقول: تصرفي الذي تنتقده أنقذ اثنين من زملائي الطيارين فهل كنت تريدهم أن يموتوا هكذا بكل بساطة"، فيأتيه الرد الصاعق الذي لايمكن تخيل سماعه سوى في جيش الأسد: "إيه ويموتوا، أنت ما دخلك (ليس لك علاقة)"، قبل أن يذكره بأن الاعتراض على الأوامر وعدم تنفيذها ليس من صلاحيات ضابط صغير برتبته (أي رتبة أ).
وحتى يخرج قائد السرب من الموقف المخزي الذي وضع نفسه فيه أمام جمع من الضباط وصف الضباط الذين كانوا حاضرين، فقد أمر "أ" بالتوجه إلى قائد اللواء، الذي كان نسخة أسوأ بكثير من قائد السرب، فانهال بمزيد من التوبيخ والكلام الجارح بحق "أ".. دون أن يعطيه إذنا بالدفاع عن نفسه.
وبلهجة تحقيرية بالغة، وجه قائد اللواء التحذير إلى "أ": أنت شقفة... وبجرة قلم مني بطيرك من الجيش على بيت أهلك، روح... وعندك عقوبة 10 أيام.
ويقول الطيار "أ" إنه تخيل حينها أن "القيادة العليا" للجيش ستنصفه ممن ظلموه وحولوا إنجازه إلى خطيئة تستوجب العقاب، ولكن ظن "أ" خاب رغم مرور السنين، فتعلم أن الكبار في جيش الأسد هم فقط على صواب، وما عداهم هم المخطئون المذنبون.
وفي الختام أشار "أ" إلى أن "العدو الصهيوني" يستطيع أن يميز كل طيار سوري من صوته، وهو يعرف كثيرا من المعلومات حول الطيارين، لكثرة ما يخترق هذا العدو الاتصالات ويعترضها.. في حين نجد أن ضابطا سوريا لا يستطيع أن يميز صوت طيارين سوريين مثله (كما حصل في الحادثة) بل ولا يستطيع تمييز "الصديق" من "العدو"، وهذا عار آخر يضاف لقائمة طويلة اعترت –وما زالت- سلاح جو الأسد، وحولته إلى أضحوكة.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية