أكدت تحقيقات استقصائية لـ"منظمة الأرشيف السوري" انتهاك شركات بلجيكية لعقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا وتصدير مواد تدخل في صناعة السلاح الكيماوي ومنها "الأيزوبروبانول" أحد المواد التي تُستخدم في عملية إنتاج السارين، وهو غاز الأعصاب الذي استخدمته قوات النظام في هجوم "خان شيخون" وأودى بحياة عشرات المدنيين في نيسان أبريل/2017.
وأظهرت إحصائيات "Comtrade" الصادرة عن الأمم المتحدة أن بلجيكا كانت الدولة الوحيدة من أعضاء الاتحاد الأوروبي التي واصلت تصدير "إيزوبروبانول" إلى سوريا منذ فرض عقوبات الاتحاد الأوروبي عام 2013.
وأشارت تحقيقات "الأرشيف السوري" إلى أن الشركات البلجيكية صدّرت إلى سوريا 96 طنًا من "الأيزوبروبانول" ما بين عاميّ 2014 و2016، ووفقاً لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، قامت سوريا بتصفية مخزون يصل إلى 133 طناً من الأيزوبروبانول.
ومع ذلك، وجدت وزارة الخارجية الفرنسية أدلة على أن الحكومة السورية حاولت منذ عام 2014 الحصول على عشرات الأطنان من "الأيزوبروبانول".
وأوضح الباحث "عبد الرحمن جلود" أحد أعضاء فريق التحقيقات لـ"زمان الوصل"أن مهمة البحث عن تزويد النظام بمواد للسلاح الكيماوي من قبل الأرشيف بدأت بعد مجزرة النظام الكيماوية في "خان شيخون".
وانطلق البحث من سر استخدام النظام غاز السارين، بعد انضمامه إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية في تشرين الأول أكتوبر/2013، في حين كان من المفترض تدمير مخزونها من "الأيزوبروبانول".
وأردف محدثنا أن "منظمة حظر الأسلحة الكيماوية" طلبت من النظام تزويدها بقائمة بكل مخزون السارين الموجود في سوريا، وهذا يعني -حسب جلود- أن النظام تمكن في الفترة ما بين 2013 و2017 من تطوير السارين مرة جديدة، ومن هنا -كما يقول- بدأت مهمة البحث عن كيفية تطوير برنامج الأسلحة الكيماوية في سوريا مرة أخرى.
ولفت محدثنا إلى أن فريق الأرشيف السوري الذي تألف من 8 أشخاص وعدد من المتطوعين عمل على مفهوم "المصادر المفتوحة" ودراسة كل ما يرتبط بهذا الملف.
وأوضح أن الفريق المكلف بدأ بمراجعة قاعدة بيانات الأمم المتحدة المتعلقة بالتجارة العالمية لملاحظة إن كان هناك أي إبلاغ عن إرسال أي شحنات من المواد الكيماوية الخاضعة للعقوبات من الاتحاد الأوروبي منذ العام، 2013، مشيراً إلى أن أشخاصاً بلجيكيين تعاونوا مع الأرشيف في مهمة التحقيق والكشف ومنهم المحلل والباحث الرئيسي في الأرشيف "جيف دويتش" والصحفي "كريستوف كليركس" من صحيفة "Knack" (كناك) البلجيكية الذي كان يقود تحقيقات ومراسلات مع الجمارك من الجانب البلجيكي للوقوف على حيثيات القضية.
وحسب وسائل إعلام بلجيكية عرضت السلطات الجمركية تسوية ودية على شركة "A.A.E. Chemie" إحدى الجهات المتورطة في توريد مواد السارين، ولكن الشركة رفضت التسوية، ثم عادت فقبلتها.
وبعد دخول الأرشيف السوري في موضوع التحقيقات ومراسلة الجمارك قررت الأخير -كما يقول- محدثنا فتح محكمة جمركية في مدينة "انتويرب"، وهذا يعني فعلياً -أن هناك مساومة من نوع ما جرت في الخفاء بين إدارة الجمارك والشركات الثلاث المتورطة.
ولفت "جلود" إلى أن اجتماعاً للبرلمان عقد بخصوص موضوع رد الحكومة البلجيكية في البرلمان الفلامنكي بعد نشر "الأرشيف السوري" للتحقيقات، وتم في هذا الاجتماع استعراض مشاكل الجمارك ورد الجمارك والحكومة، مضيفاً أن هناك جلسة متعلقة بذات القضية من المتوقع عقدها في 15 أيار مايو القادم.
"جلود" أكد أن هناك مسعىً من فريق "الأرشيف السوري" لاتهام هذه الشركات بالتورط بجرائم حرب والاشتراك بتطوير السلاح الكيماوي، وملاحقة شركات أخرى في سويسرا وبريطانيا والإمارات وكوريا الشمالية والصين والهند وسنغافورة وتركيا وهولندا وماليزيا وملاحقة أي شركة متورطة في هذا الموضوع، كاشفاً أن هناك شركات وهمية في الإمارات وتركيا ولبنان متورطة على الأغلب بتصدير هذه المواد للنظام السوري ستشملها تحقيقات "الأرشيف السوري"، وسيتم تفعيل القضايا القانونية تجاه أي كيان يحاول تصدير مواد قد تستخدم في تصنيع أسلحة محظورة دولياً لقتل السوريين.
ووجه "جلود" رسالة لكل المنظمات الحقوقية والصحفيين الاستقصائيين لتركيز جهودهم على موضوع الكيانات الاقتصادية التي تتعامل مع النظام السوري أو تحاول خرق العقوبات المفروضة عليه منذ سنوات طويلة، كشركات الاتصالات التي تبيع أجهزة لتعقّب الناشطين وتصفيتهم، أو تلك التي تبيع مواد قد تُستخدم في إنتاج أو تطوير أسلحة كيماوية أو غيرها.
ويعمل "الأرشيف السوري" منذ أربع سنوات على توثيق ذاكرة الحرب السورية وحفظ وفهرسة الوثائق المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان من أي جهة كانت، بما يلائم احتياجات الموثّقين والإعلاميين في الداخل، بالإضافة لجعل تلك الوثائق منظّمة وقابلة للاستخدام من قبل المحقّقين والمحاميين والصحفيين والباحثين.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية