*تنحي "سركسيان" جاء بالتزامن مع استقبال الجزار وفدا أرمنيا بمناسبة "المذبحة"
*تهنئة "سركسيان" لبشار كانت من آخر ما قام به قبل رحيله
كثيرا ما سخر موالو النظام، وحتى معارضون، من أسلوب القرع على الطناجر الذي سبق لبعض المناطق (لاسيما في حمص) اتباعه كطريقة للاحتجاج على حكم بشار الأسد (في المرحلة السليمة من الثورة)، لأن هذه الطريقة بحسب الساخرين والمشككين لا يمكن أن تسقط نظاما.
لكن الساعات الأخيرة حملت في طياتها تجسيدا حيا لنجاعة القرع على الأواني المنزلية في إسقاط النظام، شرط أن يكون هذا النظام متمتعا بالحد الأدنى من الحس الإنساني والوطني، الذي يدفعه لوضع مصلحة البلاد فوق أي اعتبار آخر.
فقد أجهض الشعب الأرمني وعبر أكثر من طريقة احتجاجية (مظاهرات، قرع على الأواني..) مشروع طغيان كان ينوي حاكم البلاد "سيرج سيركسيان" ترسيخه في أرمينيا، عبر نقل نفسه إلى منصب رئيس الوزراء بعدما استنفد الولايات الرئاسية المسموحة له (ولايتان مجموع مدتهما 10 سنوات)، في سلوك سبق لـ"بوتين" أن انتهجه ليتحايل على الدستور الروسي ويضمن له أبدية الكرسي، بالاتفاق مع تابعه "ميدفيدف".
ولكن الأرمن لم ينتظروا حتى يستوي مشروع طغيان "سركسيان" على سوقه، بل بادروا فورا وعقب انكشاف اللعبة وتعيين الرئيس (المنتهية ولايته) في منصب رئيس وزراء بصلاحيات واسعة، فواجهوا ذلك بالاحتجاجات الشعبية، التي دفعت "سركسيان" للتنحي في سبيل أن "تنعم البلاد بالسلام و الانسجام"، في حين كان وزير دفاعه حازما جدا، حين قال إنه لايريد أن يرى أرمنياً يقاتل ضد أرمني آخر.
هذا المشهد الأرمني، أثار من جديد سؤالا شديد المرارة على ألسن السوريين: لماذا نحن بالذات، وأي نوع من الطغاة هو بشار الأسد، وهل هو بالفعل مخلوق سوي أو لديه ذرة وطنية أو إنسانية هذا الذي يدمر بلدا بأكلمه في سبيل كرسيه، بينما يستقيل طغاة آخرون حرصا على أمن واستقرار بلادهم.
وتزداد مرارة هذا السؤال في الحالة الأرمنية أكثر، إذا ما علمنا أن "سيرج سركسيان" هو سياسي منتم للحقبة السوفيتية قلبا وقالبا، وأن نزوع الاستبداد عنده واضحة ولا تحتاج لدليل، وأنه صديق مقرب من طغاة كبار في العالم في مقدمتهم نظيره "بوتين" وكذلك بشار الأسد.
*وطنيتان
وقد سبق لـ"سركسيان" أن تبادل مع "بشار الأسد" الزيارات الرسمية خلال السنوات التي سبقت الثورة السورية، ولم ينقطع هذا التواصل خلال سنوات الثورة، بل إن "سركسيان" كان من بين قلة قليلة وناشزة من زعماء دول العالم الذين حرصوا على إرسال البرقيات والرسائل لبشار في أكثر من مناسبة.
ومن تلك الرسائل مثلا، واحدة بعثها "سركسيان" إلى بشار في ريبع 2014، يشكره فيها على "الجهود" التي يبذلها نظامه "لحماية مواطنيه"، ويندد فيها بما سماها "الهجمات الارهابية المدعومة تركيا على مدينة كسب في ريف اللاذقية"، في إشارة إلى دخول فصائل سورية إلى المدينة وانتزاعها من قبضة النظام حينها.
وقبل أسبوع فقط، أرسل "سركسيان" برقية تهنئة خاصة إلى بشار، بمناسبة ذكرى "الجلاء"، معربا عن "ثقته بأن التعاون الأرميني- السوري والمبني على الصداقة لمدى ربع قرن من الزمن، سيستمر في المستقبل بالتطور والتعزيز لصالح البلدين والشعبين".
وخلال البرقية أبدى رئيس أرمينيا "تقدير" بلاده لـ"مبادرة الحكومة السورية بشأن الحوار السوري-السوري"، لتكون هذه الرسالة آخر رسالة رسمية يوجهها "سركسيان" إلى بشار من موقعه كرئيس لأرمينيا، قبل أن يرحل تحت ضغط أصوات المحتجين وقرع طناجرهم.
وبرسالة التهنئة هذه وضع "سركسيان" نفسه في صف طغاة 13 دولة فقط، انتهزوا فرصة "الجلاء" ليعبروا عن مدى قربهم من بشار وتأييدهم له.
ورغم أن مناسبة "الجلاء" مناسبة وطنية بامتياز، لاتتعلق بنظام أو رئيس، فقد حرص معظم زعماء العالم على تجنب التواصل مع بشار وتهنتئه بها، نظرا لحجم الإجرام الذي تورط به، ولكن " سركسيان" كان له رأي آخر مع 12 طاغية آخر فانفردوا ببرقيات التهنئة، علما أن عدد دول العالم المعترف بها يناهز 195 دولة.
وانعكست علاقة "سركسيان" الشخصية بـ"بشار" على استمرار العلاقات في مختلف المجالات الدبلوماسية والبرلمانية والاقتصادية و..، خلافا لكثير من دول العالم التي قطعت كثيرا من علاقاتها (لاسيما الدبلوماسية) مع النظام، وسحبت سفراءها من عنده كما طردت سفراءه من عندها.
وفي خريف العام الماضي تلقت "أرمينيا" بالقبول والترحاب أوراق اعتماد سفير جديد للنظام، هو "محمد أحمد حاج إبراهيم".
ولكن المثير للانتباه أن استقالة "سركسيان" جاءت بالتزامن مع ما يسمى "مذابح الأرمن" وبالتزامن مع استقبال بشار لوفد من "أرمن سوريا" بمناسبة ذكرى هذه "المذابح"، ليتلقوا من فم الجزار -وبحضور زوجته أسماء- المواعظ حول "الوطنية"، التي تعني حسب تعبير بشار أن "يقوم كل منا بعمله وأن يتقن ما يقوم به، وبهذا فقط تكون وطنياً مهما كان انتماؤك الطائفي أو العرقي".. ويبدو أن "وطنية" بشار هذه هي التي تدفعه للاستمرار في عمله (المجازر) بذريعة حماية الوطن، فيما "وطنية" حليفه "سركسيان" دفعته سريعا وبعد أيام قليلة من الاحتجاج إلى التنحي حرصا على عدم إراقة أي قطرة دم من مواطني بلده.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية