أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مصورة فوتوغرافية سورية توثق حياة اللاجئين في النمسا

ليندا

تمكّنت المصوّرة الفوتوغرافية "ليندا زهرة" من تجسيد جوانب من حياة اللاجئين السوريين في النمسا وفي أماكن أخرى كالمخيمات في تركيا ولبنان بأدق تفاصيلها من خلال العين الثالثة في سعي منها لاكتشاف واقعهم واستنطاق صمتهم ومكنوناتهم، وغالباً ما تكون لقطاتها تجسيداً لحالة أو لشخصية أو لموقف له دلالة ما ويقول شيئاً، وتناغماً حركياً في المكان وعبر الزمن.
 
ولدت "ليندا زهرة" في مدينة "السلمية" وتلقت تعليمها في مدارسها، ثم سافرت مع زوجها المخرج السينمائي" الفوز طنجور" للدراسة في جمهورية "مولدافيا"، وأنجزت العديد من الكورسات لتصميم الأزياء والمكياج في جامعة الفنون الدرامية والمسرحية هناك، وعادت إلى سوريا عام 2004 لتعمل كمصممة مكياج في بعض الأفلام السينمائية القصيرة وكمنتجة منفذة لبعض الأفلام الوثائقية ومنها (دمشق سيمفونية مدينة) (أرواح متمردة) (بارودة خشب) وغيرها. 

وتسترجع المصورة المحترفة بداية علاقتها بالكاميرا التي بدأت -كما تروي لـ"زمان الوصل"- من خلال رغبتها في نقل الحكايات والقصص التي تراها أو تعيشها في الواقع الحقيقي ومشاركتها مع الآخرين، فالصورة بالنسبة لها أولاً مرآة للواقع الذي نعيشه وحكاية، بمعنى آخر، مضيفة أن "كل صورة يجب أن تحمل مقولة ما، أو تسلط الضوء على قضية معينة".

وأردفت محدثتنا أنها ترغب دوماً بالبحث عن الحقيقة وطرح الأسئلة من خلال الصور التي تلتقطها وذلك يحتاج -حسب قولها- إلى وجهة نظر محددة للموضوع الذي ترغب بتصويره، حيث كل موضوع يأخذ معنى آخر مع اختلاف زاوية التصوير والضوء والظلال وتوزع الخطوط والأشكال داخل إطار الصورة، لافتة إلى أن ما يشغلها في عملها بالتصوير هو مفهوم (الحركة – الزمن) والعلاقة الأبدية بينهما وهو ما تسعى لاكتشافه وتجسيده في أعمالها، فالتصوير بالنسبة لها هو محاولة لاكتشاف الواقع واكتشاف الذات.


عام 2012 وبسبب الأوضاع الأمنية انتقلت الفنانة السورية مع عائلتها من دمشق إلى بيروت وبسبب سوء الأوضاع هناك اضطرت للانتقال ثانية إلى أوروبا بعد سنتين، وكان هذا الأمر بالنسبة لها -كما تؤكد- خياراً صعباً جداً، ولكنها كبقية السوريين، لم يكن أمامها من حلول أخرى. 

بعد وصولها إلى النمسا بفترة زمنية عام 2014 بدأت موجة مناهضة للاجئين بين أوساط أوروبية معينة ومتطرفة، وأرادوا استعمال موضوع اللاجئين لخدمة أجندات سياسية محددة، ففكرت ليندا وقتها أنه يمكن قول شيء من خلال الصورة حول هذا الموضوع فقامت بالبحث عن نساء سوريات من شرائح وخلفيات وأوساط مختلفة بحيث يعبّرن عن المرأة السورية الحضارية، وثقافتها المنفتحة على الآخر، وقدرتها على الاستمرار رغم الصعوبات، وإيمانها بنفسها وبعائلتها وبأحلامها، وأنجزت -كما تقول- مجموعة بورتريهات، كل صورة منها تعرّف بامرأة سورية: من هي، ولماذا قدمت إلى أوروبا، ماذا تفعل وماذا تريد أن تكون.

وعرضت الصور في عيد المرأة العالمي على لوح ضوئي كبير في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة النمساوية "فيينا" حتى يراها أكبر قدر من المشاهدين ويتعرفوا على هوية السوريين الحقيقية.

ولفتت محدثتنا إلى أن مشروعها الفني هذا لاقى صدى طيباً ونال استحسان الأوساط الاجتماعية والثقافية في "فيينا"، وفتح لها هذا العرض أفقاً آخر للحديث عن المرأة المهاجرة بشكل عام من خلال مشروع فوتوغرافي توثيقي حققته سنة 2017.


زارت "ليندا" أكثر من مرة مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا وفي لبنان، ورصدت معاناة الناس هناك، وحاولت نقل آلامهم وأحلامهم من خلال الصور، فهي تشعر كفنانة -كما تقول- أنها ملتزمة قبل كل شيء بقول الحقيقة ونقل معاناة الناس وأوجاعهم إلى كل العالم.

وأردفت محدثتنا أن ما يعنيها أيضاً كمصورة سورية ما يحصل لبلدها وأبنائه ولذلك تجد الصورة وسيلة تعبير قوية يمكن من خلالها نقل كل ما يحصل اليوم من مآس لهذا الشعب وإيصاله إلى العالم أجمع فصورة واحدة يمكن أن تكون معبرة أكثر من ألف كلمة ومقال صحفي.

سافرت المصورة المحترفة إلى أنطاكيا في تركيا، وصورت الأطفال السوريين في المخيمات، حيث تكلمت معهم وحدثوها عما يفكرون ويرغبون به، وحاولت نقل ذلك عبر الصور.

ومؤخراً عملت على مشروعها التوثيقي الفوتوغرافي عن تعليم الأطفال في مخيم "الطلياني" في سهل البقاع اللبناني الذي سلطت الضوء من خلاله على شريحة متنوعة من الأطفال والأهالي الذين يعيشون هناك.


وحول ما تحرص عليه أثناء التقاط أي صورة أبانت محدثتنا أن مشروعها التوثيقي يستدعي منها فهم الواقع والظروف المحيطة بالموضوع بشكل جيد وفهم ودراية بالشخصيات، ولذلك تحرص -كما تقول– على زيارة المكان والشخصيات أولاً والتحدث معها وتفهمها تماماً قبل البدء بتصويرها وإحياء الصمت في داخلها.

من يتابع أعمال ليندا يلاحظ تعمدها اختيار الأبيض والأسود في الكثير من لقطاتها وهو أمر له الكثير من الدلالات على المستوى الفني والإنساني -حسب قولها- مضيفة أن ما يشغلها أكثر هو التعبير عن الموضوع بالشكل المناسب، وأحياناً يكون الأبيض والأسود هو الحل وأحياناً تكون الصورة الملونة أكثر ملائمة وقدرة على نقل الواقع دون أن تبتعد أحياناً عن تصوير البورتريه الكلاسيكي واستخدام الكولاج، وهو(تكنيك فني يقوم على تجميع أشكال مختلفة لتكوين عمل فني جديد)، ولكن خيار الأبيض والأسود -كما توضح- هو خيار فني وإنساني أيضاً، يمكّنها في كثير من الأحيان بالتحكم أكثر بالصورة على الصعيدين: الشكل والمضمون، مضيفة أن هذا الأسلوب يتيح لها شكلياً التحكم بدرجات النور والظل في اللقطة، وبالتالي يمكّنها من قول ما تريد. حيث يشاهد الناس في صور الأبيض والأسود الحدث وتفاصيله وليس الألوان.

وتابعت أن هذا الأسلوب يساعد المتفرج على فهم الموضوع بشكل أعمق وهو أكثر جرأة في اقتحام الواقع وأكثر قدرة على الغوص في مكنونات وعوالم الشخصيات الداخلية، ويساعد بشكل أفضل في فهم حالتها النفسية وبالتالي يمكّنها كمصورة من الوصول إلى المتفرج ومخاطبة عقله وأفكاره.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(305)    هل أعجبتك المقالة (336)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي