ما يجري في غزة مريح في صورة من صوره . رغم دمويته وبشاعته غير المستغربة ، لأنها تأتي من عدو خبرناه على مدار عقود ، لا يتقن شيئاً أكثر من اتقانه للولوغ بدماء الأطفال والنساء والشيوخ . فتاريخ هذا العدو مترع بالجرائم والمجازر . وبما يفعله اليوم في غزة فإن هذا العدو متساوق مع تاريخه ومنسجم مع نفسه. أما مصدر الراحة لهذا الذي يجري في غزة ، فلأسباب كثيرة منها أردني، يتمثل بأننا في الأردن أثبتنا رسوخ عروبتنا وتلاحمنا مع إخوتنا في فلسطين . وأكدنا من جديد أن الدم واحد. وأن المصير واحد . وأن قوة في الأرض لن تفصلنا عن فلسطين وبيت المقدس . فنحن أكناف بيت المقدس . ونحن الأرض التي باركها الله من حول المسجد الأقصى . وزاد من روعة الصورة التي رسمها الأردنيون ، وهم يلتفون حول قطاع العزة أنها جاءت متناسقة متناغمة . شارك فيها الأردنيون قيادة وشعباً . وهذا هو الأردن الذي عرفناه ، وأحببناه ، واعترضنا كثيراً ، وتألمنا أكثر . عندما حاول البعض أن يخلعه من جذره الإسلامي ، وانتمائه العربي ، وأمته التي تشكل عمقه الاستراتيجي . وهذا الذي جرى في الأردن منذ بدأ العدوان على غزة برهن مرة أخرى سقوط كل الرهانات على إمكانية إخراج الأردن من ثوبه العربي الإسلامي . ومن ثم إخراج الأردنيين من معركة المصير من أجل فلسطين والقدس.والمشهد الذي شهدته مدن وقرى وبوادي الأردن هو المشهد الذي اعتدنا عليه في الأردن الذي نعرفه ونحبه وندافع عنه ونصر على بقائه كتعبير عن التحام الأردنيين مع أمتهم ومع قضيتهم المركزية في فلسطين.
يزيد من أهمية هذا المشهد الذي رسمه الأردنيون نصرة لغزة ، أنه جاء في اللحظة التي انقسمت فيها الأمة إلى فسطاطين. الأول فسطاط الهزيمة الذي رفع الرايات الحمراء لترشد طائرات العدو . وللرايات الحمراء في تاريخ العرب دلالات مخزية. فقد كان العرب يجبرون بائعات الهوى على رفع هذه الرايات على بيوتهن، تمييزاً لهن عن سائر بيوت الناس . لذلك ارتبطت الرايات الحمراء في تاريخنا بالخيانة الجسدية .التي تولد سائر الخيانات الأخرى . فالذي يخون جسده وعرضه لا يتردد في ممارسة أي نوع من أنواع الخيانات.
إذا كانت الرايات الحمراء من علامات فسطاط الخيانة . فإن من علامات هذه الفسطاط أيضاً البون الشاسع بين مواقف الحكام ، وموقف شعبهم وأمتهم . فلا أحد من جماهير الأمة يرضى بهذا التواطؤ الذي يمارسه بعض الحكام ضد غزة . بعد أن تواطأ هؤلاء الحكام على فلسطين كلها . وهاهم أبناء الأمة كلها من طنجة إلى جاكرتا يسدون عين الشمس ، وهم يخرجون إلى الشوارع يهتفون نصرة لغزة . ولعنة على من يعاديها . سواء كان هذا العدو ناطقاً بالعبرية أو العربية . فكلاهما عدو في نظر الجماهير التي آن الأوان لكي تخرجها قياداتها من حالة ردة الفعل التي تأخذ شكل المظاهرات والمسيرات ، إلى حالة الفعل الإيجابي . عبر تأطير هذه الجماهير ، لتواصل عملها اليومي ، من أجل معركة التحرير، وتحقيق الانتصار النهائي على العدو الإسرائيلي . فجماهير الأمة قادرة على هذا العمل اليومي . عبر إصرارها على مقاطعة العدو . والعدو هنا ليس إسرائيل فقط . بل ومن يساند إسرائيل ابتداء من الولايات المتحدة الأمريكية وصولاً إلى أصغر متواطىء ينطق بالعربية. والمقاطعة التي نريدها يجب أن تكون شاملة . ابتداء من السلع وصولاً إلى القيم والمفاهيم . مروراً بالمقاطعة الاجتماعية للمتواطئين . ولنا في رسول الله وبما فعله بالخوالف أسوة حسنة .
فقد أمر رسول الله الناس بمقاطعة أولئك الخوالف ، فقاطعتهم حتى نساؤهم مع سائر المسلمين. حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت . رغم أن فعلة الخوالف لا ترتقي إلى بشاعة ما يفعله المتواطئون ، الذين يقدمون لإسرائيل الدعم المادي والمعنوي ويمدونها بالمعلومات ويكسبون لها الوقت.
وحتى نتمكن من تأطير الجماهير ، ونقلها من مرحلة ردة الفعل إلى مرحلة الفعل الإيجابي . فإن علينا أن نعيد النظر في الكثير من عوامل التأثير في هذه الجماهير . وفي طليعتها المؤثرات الثقافية . فقد آن الأوان كي تكون ثقافة المقاومة هي السيدة والسائدة في بلادنا ، لشحن الجماهير وتربيتها، على كل ما هو إيجابي. ابتداء من الإيثار على النفس. ونصرة الأخ مروراً بالصمود والتصدي ، وصولاً إلى المشاركة العسكرية في المعركة مع العدو. وحتى تؤتي ثقافة المقاومة أكلها ، فإن علينا أن نتصدى إلى شراذم الكتبة المنافقين، الذين لاهم لهم إلا تخذيل الأمة ، وتثبيط عزائم أبنائها ، وشتم مجاهديها . وهم بذلك يتساوقون بوضوح مع العدو الذي يصر على النفخ في نيران الفتنة بين أبناء الأمة .سواء كان ذلك عبر التركيز الملحوظ الذي مارسه قادة العدو وإعلامه ، على المباركة التي حصل عليها هذا العدو من بعض الأنظمة الرسمية المتسلطة على الأمة . أو من خلال المنشورات التي قذفتها طائراته فوق غزة ، تدعو أهلها أولاً إلى التخلي عن المقاومة . لأنها تجلب لهم الموت والدمار. كما تدعوهم إلى مغادرة مناطقهم حفاظاً على حياتهم . وقد فات هذا العدو أن زمن الهروب والفرار والنزوح قد ولى من تاريخ أمتنا . وأن التمسك بالأرض ، والثبات عليها صار ممارسة طبيعية لأبناء هذه الأمة مهما اشتدت فظاعة المجازر الإسرائيلية. وما جرى جنوب لبنان أثناء حرب تموز 2006، وما يجري في فلسطين بصورة دائمة خير شاهد على مدى تمسك أبناء الأمة بأرضهم، مهما اشتدت حملات التخويف النفسي وغير النفسي ، التي يمارسها العدو وأتباعه من شراذم الكتبة المنافقين . الذين انحازوا إلى فسطاط الهزيمة في مواجهة فسطاط النصر. الذي صارت المقاومة عموده الراسخ غير القابل للكسر. وستقدم غزة دليلاً جديداً على ذلك. عندما تضيف مقاومتها مدماكاً جديداً إلى بناء النصر الذي تواصل فصائل المقاومة تشييده . حيث يترنح في مقابله بيت العنكبوت أعني إسرائيل التي ستشرب من كأس الهزيمة مرة أخرى على يد المقاومة التي تبرهن بالدم أنها قادرة على اجتراح المعجزة وعلى أنها وحدها طريق الأمة وخيارها لتحقيق الانتصار النهائي
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية