أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الحصاد قبل الزرع.. عبد السلام حاج بكري*

من دمشق صباح اليوم - جيتي

رئيس على ضفة الجنون يقود العالم بطريقة مختلفة، هو مختلف شكلا وعملا، يتخذ من "تويتر" غرفة عمليات يصدر منها أوامره، صحيح أن الرئيس الأمريكي ينفّذ استراتيجية الدولة التي لا يقررها مفردا، لكن ترامب يحاول أن يوشّح نفسه بكاريزما العظمة التي تمثلها أمريكا عالميا، فظهر أقرب إلى الفوضوي المنفلت، يمكنه فقط أن يسرّع قرارا ما أو يؤخره يجعله أوسع أو أصغر قليلا، وإن حاول كسر الثوابت اختفى بطريقة ما، ولنا في كيندي ونيكسون مثال.

ترامب أطلق الضربة العسكرية لبعض مواقع بشار الأسد بعد معركة أكثر شراسة على "تويتر" استمرت أياما، حقق فيها أكثر ما قد تحققه ضربة كبيرة وطويلة، أثبت أنه الفوضوي الذي يعرف ما يريد ويسير باتجاه هدفه بحرفيّة، انتصر الرجل على "أعدائه" أو أنجز أكثر أهدافه، وما لم يستطع الوصول إليه ستتكفل صواريخ "توماهوك" بقيادته إليها.

أمريكا ومعها كل العالم تدرك جيدا أن بشار الأسد استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه مرات عديدة بدءا من عام 2013، لجان الأمم المتحدة أثبتت 19 منها، ولم يكن كل ذلك كافيا لمحاربته ووقف إجرامه، لأنه ينفذ الأجندات المرسومة له بدقة، وحينها لم يكن قد أكمل عمله، تركته يتابع ويزيد، وسمحت لقوى أخرى بمساندته بعدما وجدته عاجزا عن إكماله بمفرده وكاد يسقط تحت ضربات الجيش الحر.

اليوم، يبدو أن بشار الأسد ومعه حلفاؤه أتمّ مهمته، غير مدرك أنه سينتهي معها، وكان يعتقد بأن استمراره على الكرسي مكافأة يستحقها، والذي يجري الآن عملية الحصاد والترتيب النهائي للمشهد السوري، وهنا تحضر القوة الأعظم لتنال الحصة الكبرى، وقد هيأ الصغار لها الطريق قبل دخولها.

أوعزت روسيا للأسد باستخدام الكيماوي في دوما رغم عدم اضطراره لذلك، سعيا منها لامتحان جديّة فريق ترامب المحدّث بحديثه عن الحرب وإلى أي مدى يمكن أن يذهب فيها، وقد يكون الإيعاز فخّا نصبته كي يقع فيه الأسد فينتهي سياسيا وربما جسديا وقد رأت أن الغرب قرر أنه انتهى. 

أيام من التغريد على "تويتر" حملت الرعب لشركاء الإجرام في سورية الذين وجدوا أن من الضرورة بمكان تقديم التنازلات التي يقتضيها الحلّ الأمريكي الإسرائيلي الغربي لسورية، فسارعت روسيا إلى طرح البدائل التي تضمن لها بعض ماء وجه، فأبدت استعدادا للتخلي عن الأسد وتحجيم الدور الإيراني، لكن الاثنين أصرا على الاستمرار حتى النهاية، وهذا ربما يكون إسفينا بالعلاقة بين المجرمين.

ستتكئ أمريكا في سعيها لتحقيق المكاسب من هذا الحلف على الدول الإقليمية كتركيا ودول الخليج، وسيستمر ترامب بالتغريد، وكل تأخير في الاستجابة لما يريد سيتبعه ضربات لمواقع الأسد وحزب الله والميليشيات الإيرانية، وإن طال الزمن ولم يخضعوا لكل رغباتها ستكون حربا مدمرة للحلف تركن فيها روسيا إلى جانب الجدار.

بما أنه ليس هناك من دليل مؤكد على نيّة أمريكا ومعها إسرائيل بإنهاء الدور الإيراني في سورية ولبنان، وهي التي أشرفت طوال عقود على حماية حدود إسرائيل وضبط الحدود الموازية لها من المنفلتين، فإن الضحية سيكون "بشار" الشخص وليس النظام الذي يلبي متطلبات أمريكا وحلفائها.

الضغط يسير باتجاه الحل السياسي وفق الرؤية الغربية، ويبدو أن الجميع يمشي في الطريق إليه رغم بعض التعنّت الشكلي إيمانا منهم بأن مكاسب صغيرة خير من لا شيء.

الأيام القادمة حبلى بمعركة حامية على "تويتر"، ومعركة أكثر شراسة على الأرض تسحق كل من لا يقبل ما تمّ إقراره في كواليس السياسة الغربية، وما على السوريين مسلوبي الإرادة سوى التفرّج على المشهد ودفع ثمن الفرجة دماء وأرواحا.

*من كتاب "زمان الوصل"
(124)    هل أعجبتك المقالة (127)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي