تنهمر اليوم على قطاع غزة، وجنباً إلى جنب مع حمم الموت الصهيونية، حمم فكرية وإعلامية وفقهية أخرى من الإمبراطورية الإعلامية والمالية، إياها، محاولة أن تسفه كل قيمة عظيمة، وتزيف وعي الناس، وترذل كل فضيلة، وتمسخ أي جمال وتبث في النفوس مشاعر اليأس والتخاذل والاستسلام والإحباط، والاستزلام لبني قريظة ووهاب، ولا فرق على الإطلاق. والداعية الوهابي المعروف، محمد صالح اللحيدان، صاحب الفتاوى العجيبة، لم يفوّت هذه الفرصة الذهبية، التي وفرتها له حسناء الموساد ليفني مع شريكيها في الجريمة أولمرت وباراك، للشماتة، والتشفي والطعن بالمحاصرين وضحايا العدوان الغادر في غزة، ولكل من يقف بوجهه ويقول لا لهذا الإعصار النازي الغاشم الذي يضرب بلا هوادة في غزة. ولذلك لم يجد، فضيلته، من مساهمة يدعم بها المجهود الحربي الإسرائيلي، وبارك الله به مشكوراً، وعظـّم تبارك وتعالى من أجره، وليسهل من مهمتهم، إيديولوجياً، وهو أضعف الإيمان، سوى القول في أحدث محاضراته: " أن المظاهرات التي شهدها الشارع العربي ضد غارات إسرائيل على قطاع غزة هي من قبيل "الفساد في الأرض، وليست من الصلاح والإصلاح" ( الله، ما هذه البلاغة والفصاحة والتبحر في علوم الدنيا والدين؟ وطيب الله عيشك يا شيخنا الجليل).
ولفت فضيلته إلى:" أن المظاهرات حتى إذا لم تشهد أعمالاً تخريبية فهي تصد الناس عن ذكر الله، وربما اضطروا إلى أن يحصل منهم عمل تخريبي لم يقصدوه ) ". كم هم نبيل ومتمدن داعية الحب والسلام هذا ولا يحب أعمال التخريب، وبارك الله بشيوخنا على الدوام؟ لماذا لم يدن، إذن، هذا الشيخ وغيره من شيوخ فتاوى الـ"تيك أواي"، Take away أعمال القتل والتخريب الدموي التي جرت في غير مكان من العالم، بل اعتبروها جهاداً وغزوات في سبيل الله؟ وإذا كان فعلاً لا يحب التخريب، ونحن معه أيضاً، فلماذا لا يدين أعمال التخريب والتدمير الوحشي والعشوائي الحاقد، الذي تقوم به إسرائيل في ذات الآن؟) ولا يفوت شيخنا الجليل، البتة، الاستشهاد بسيرة السلف الصالح الطاهرة المليئة بالدم والثارات والاغتيالات، حين يعتبر أن المظاهرات ضد الخليفة الثالث، رضوان الله عليه وحشره مع القديسين وأولياء الله الصالحين منهم والصالحات، وليس مع المتظاهرين والمشاغبين والمشاغبات، كانت الشرارة التي أطلقت حمامات الدم في التراث البدوي، واصفاً إياها بأنها "كانت شراً وبلاء على الأمة الإسلامية، وذلك كما نقلت صحيفة الحياة اللندنية المملوكة لأحد أمراء الوهابية عن اللحيدان .
ولا أدري متى كان حاخامات الوهابية، ودعاة الصحوة البترولية يعترفون بعلماء النفس، أو بغيرهم من الوضعيين، والعلمانيين والملاحدة الملاعين الفجرة والفسّاق، أو يفسرون الظواهر السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية بناء على ما يقوله علماء نفس من الكفرة واليهود والنصارى وأحفاد القردة والخنازير حين يمضي إلى القول: " إنها استنكار غوغائي، إذ أن علماء النفس وصفوا جمهور المظاهرات بمن لا عقل له ". إنها الفصاحة والتفاصح، بعينها، والتي لا فصاحة من بعدها.
ما يريد أن يقوله هذا الحاخام، إذن، وبكل بساطة، هو أن المظاهرات، وأية أعمال احتجاج أخرى، تنهي عن الصلاة، وهي فساد في الأرض ومنكر، والعياذ بالله، وليست، البتة، من شيم المؤمنين والمؤمنات، القانتين منهم والقانتات على الإطلاق. فالأصل هو الخنوع والاستسلام لشروط الحياة كما رسمها، وتحلو وتروق للطغاة، والغزاة، والبغاة العصاة. والأخطر في هذه الأقوال، هو أنه يمكن سحبها وإسقاطها، والبناء عليها، على كل نشاط مجتمعي، أو حراك إنساني آخر، قد يهدد عروش البغاة. لعمري إن هؤلاء الحاخامات، بفتاويهم المضللة، وفنون الخداع التي يمارسونها على البسطاء، والخزعبلات التي يطلقونها والتي لا يقبلها عقل أو دماغ، هي أجمل، وأغلى هدية تنعم بها السماء على منظومات الاستبداد القدرية، والورقة الأثمن، والأربح في أيديها في مواجهة أية حالة من حالات التململ، والتمرد، والثورة، والعصيان، ويمكن الاستعانة بها حتى لمجرد دعوة مدنية وسلمية للتغيير والإصلاح قد تصد عن ذكر الله، وأستغفر الله، ذاك المفهوم والطقس الديني الواسع الفضفاض الذي يمكن أن يطبق على، ويستوعب كل الحالات. فالدعاة المتزئبقون فقهياً، موجودون على الدوام، لقلب الحق باطلاً، وجعل الباطل حقاً، تماماً، كفتوى هذا الحاخام. وما يثير الإعجاب في هؤلاء الدعاة هو المرونة الفائقة، وسرعة التكيف الهائلة، والتقلب والتنقل من ضد لضده، ومن نقيض لنقيضه، عبر آلية الغرف العشوائي، متى وكيف وأنى يشاؤون، وبلا حساب، من المخزون الفقهي المتوارث مشافهة وعنعنة لا توثيقية لتوظيفها، والعبث في مساراتها واتجاهاتها ومن ثم تجييرها لخدمة أي حدث آني، ونظام، والتمادي أبعد من ذلك عبر إسباغ شيء من القدسية عليه.
إسلام الصحوة، كما يرطن، ويطنطن الصحويون، يبدو اليوم وأكثر من أي وقت مضي، وفي غير مناسبة، إسلاماً تحت الطلب. فهو اليوم، أيضاً، في خدمة أعتى القتلة، وأحط المجرمين وأكثر الغزاة همجية وتوحشاً وبربرية، كما كان حاله، سرمدياً، في خدمة الطغاة والبغاة والولاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأبعد عنا وعنكم المتظاهرين والمتظاهرات، وجنبنا، وإياكم، إثم التظاهر والمظاهرات ضد الغزو والاحتلال، بحق العلي المنتقم الظاهر الجبار. وذلك لسبب واحد ووحيد، هو أنها تصد المؤمنين عن الصلاة، وذكر الله. فالعرب والمسلمون، وكل الحمد والشكر لله، لم يصدهم أي شيء منذ 1400 سنة عن ذكر الله، حتى صاروا في مؤخرة الركب، ولا يشغلهم شيئاً عنه، ولا يتقنون القيام بأي عمل آخر سواه، على الإطلاق.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية