في مسعى جديد لمنع عودة النازحين والمهجرين إلى منازلهم، أصدر بشار الأسد القانون رقم (10) لعام 2018، القاضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية، وذلك بمرسوم بناء على اقتراح وزير الإدارة المحلية والبيئة وتعديل بعض مواد المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012، وقد حذر من هذا القانون عدد كبير من المحامين مؤكدين أنه يشرعن عملية سرقة عقارات وممتلكات المهجرين.
العالم الذي اعتاد مشاهدة جيش "التعفيش" الأسدي مزهواً بغنائمه التي سطا عليها من منازل السوريين (كالبرادات والغسالات والأجهزة الكهربائية بمختلف أنواعها)، لم يشاهد أو يتعرف على جيش آخر مواز للأول، يعمل ليلا نهارا من أجل الاستيلاء على العقارات والأراضي، جنوده كبار الشبيحة والضباط وقادة الميليشيات التي حاربت من أجل كرسي الحاكم، وما كان من الأخير إلا تقديم ما غلا ثمنه من الهدايا التي دفع الشعب ثمنها تعب السنين ووفرها من قوت أبنائه.
ومنذ أن قرر بشار الأسد إطلاق يد قواته في أنحاء البلاد، أحل لهم استباحة كل شيء يمرون به، بدءا من الحجر وانتهاء بدماء السوريين.
ويعتقد البعض أن هذه الأفعال تندرج في باب سرقة الأملاك، لكن جوهرها يخدم مشروع التغيير الطائفي الذي خطط له ملالي طهران ونفذه نظام الأسد بكل حذافيره.
الكاتب (س -ح) قال إن جاره أخبره بأن ميليشيات حزب الله استولت على منزله في "جرمانا" بعد مغادرته سوريا، هذا ما حدث أيضا مع والدة (م -ي) الطبيبة في إحدى الدول الأوروبية والتي عادت لسوريا في زيارة لأهلها، وعند توجهها إلى منزلها في حي "الزاهرة" وجدت بداخله عائلة أحد ضباط الجيش، بالرغم من أنها لم تبد أي توجه سياسي معارض للنظام.
آلاف الحالات تكررت مع فنانين وسياسيين وإعلاميين، كان أبرزها ما حدث مع الإعلامي السوري "فيصل القاسم" الذي استولى النظام على منزله ومنازل إخوته، بسبب معارضته للنظام وتأييده للثورة السورية، ومع مرور الأيام لم يكتف بذلك بل قام ببيع المنزل لأحد مواليه.
ونشر القاسم على صفحته الشخصية "فيسبوك" عن القانون (10) الأخير قائلا: "في قانون جديد... بشار الأسد يتفوق على الصهاينة في فلسطين في مصادرة أراضي المهجرين واللاجئين السوريين.. آخر انتقامات بشار الاسد من السوريين: القانون رقم 10 لعام 2018".
وأضاف: "أنشأ وحدات إدارية أو تنظيمية جديدة في سوريا مثل البلديات، ستبتلع هذه البلديات ملكية الأراضي وتعوّض أصحابها الأصليين (إن استطاعوا إثبات ملكيتهم لها أو حضورها)، ثم ستقوم ببيع الأراضي التي تملكتها لمكتتبين جدد يكونون موجودين على الأرض، وستحذف جميع الحقوق العائدة لأصحاب الأرض الأصليين من القيود العقارية وكأنها لم تكن. باختصار شديد، طرد أصحاب الأرض منها، وإلغاء حقوقهم فيها".
وعن القانون نفسه كتب القاضي المستشار "إبراهيم الحاجي" قائلا: "ببساطة وبشيء من الوضوح ودون تعقيد، وليفهم عامة الناس ما هدف إليه المجرم بشار من صدور القانون رقم (10) استكمال لعملية التغير الديموغرافي، التي تتبع عملية التهجير القسري التي شهدتها مناطق ومدن عدة من سورية الحبيبة".
وأوضح القاضي "الحاجي" أن هذا القانون "يتضمن الإيعاز للوحدات الإدارية بإحداث مناطق تنظيمية جديدة ضمن المخطط التنظيمي المعتمد سابقاً. واستنادا لذلك فإن كافة المرافق العامة تحسم من العقارات مجانا لصالح الوحدة الإدارية ذات الصلة والمحدثة بموجب هذا القانون".
ومضى بالقول: "إن هذه الوحدة الإدارية (البلدية) ستحل محل أصحاب الحقوق العقارية والمالكين للعقارات المملوكة أصلا لأشخاص وثابتة ملكيتهم بالسجل العقاري الدائم أو المؤقت، حيث يتم الاكتتاب من جديد على هذه العقارات المحدثة الجديدة لمن يرغب بالشراء وبالتأكيد سيتقدم من يبتغي توطينهم لشراء تلك العقارات وإلغاء قيدها القديم بحجة عدم المراجعة وتسجيلها من جديد باسم زبانيته وشركائه بالإجرام أبناء ملته الشيعة الصفويه".
واستطرد: "وما هو خطير بهذا القانون أن أصحاب الحقوق والملكية العقارية الذين لا يحضرون عملية تسجيل حقوقهم عند الإعلان عن التنظيم الجديد يفقدون كامل حقهم العقاري. وبذلك ستؤول الملكية إلى الوحدة الإدارية التي سوف تتصرف تصرف المالك بملكه من بيع أو إقامة منشآت على تلك العقارات أو بيعها أو استثماره بالطريقة التي يرغب هذا باختصار وبساطة".
وشدد على أن هذا القانون "يعتبر جريمة أخرى تضاف لسجل جرائم هذا السفاح المجرم، فنحن كسوريين علينا تسليط الضوء على هذه المهزلة وفضح نوايا هذا النظام المجرم محليا وإقليميا وعالميا وحتى على مستوى الهيئات والمنظمات الدولية".
*قوانين ومحاولات سابقة
أطماع ونوايا في نهب أموال السوريين لم تبدأ مع القانون (10)، حيث أشار المحامي "محمد الأسود" على أن نهاية الحرب ستجر أوجاعا من نوع مختلف على الشعب السوري كأن يعود الشخص ويجد منزله أو أرضه ملكا لشخص آخر، مؤكدا على أن إصدار نظام الأسد للمرسوم التشريعي رقم (12) لعام 2016، الذي يعمل على "أتمتة السجلات العقارية الورقية بعد فتح باب الاعتراض عليها من قبل المواطنين ويتم النظر فيها أمام محكمة بداية محل العقار"، هو إجراء هو لشرعنة الاستيلاء على عقارات السوريين الذين أرغموا على ترك منازلهم وسلكوا طريق اللجوء.
وشدد "الأسود" على أنه لا مبرر لهذا القانون لأن جميع السجلات العقارية في سوريا مؤتمتة قبل الثورة بسنوات، موضحا أن هذه الخطوة هي نوع من أنواع "السطو على أموال السوريين المغتربين من خلال وسائل قانونية".
وعبر "الأسود" عن استغرابه من هذا القانون، الذي يجيز لأي شخص الاعتراض على ملكية الآخرين، يتم بعددها الإعلان على الاعتراضات في الصحف الرسمية، وإن لم يتم تقديم اعتراض من صاحب الملك الأساسي خلال فترة 4 شهور، فإن الدعوى ستؤول نتيجتها لصاحب الاعتراض، كما أن هذا القانون لا يعترف بأي وكالة قادمة خارج حدود سوريا.
وأضاف لـ"زمان الوصل": "نظام الأسد يسمح لشبيحته بالاعتراض على ملكية الآخرين، وسلبها لاحقا، لكنه لا يسمح للملاك الأصليين البيع إلا بالموافقات الأمنية التعجزية. تجربة السوريين مع هذا النظام مريرة وخصوصا مسألة سلب العقارات فهي قديمة منذ استلام حافظ الأسد الحكم، والجميع يعرف معاناة أهالي كفر سوسة عندما سلبهم منازلهم ومساحات كبيرة من أرضهم بحجة إقامة دوائر حكومية".
من جهته، قال المحامي "كنان الشرع" إن نظام الأسد مهد لخلق هذه الحالة ببعض القوانين التي كانت توزع على الدوائر مختومة بعبارة (سري وعاجل)، ففي (4-8-2015) أرسلت حكومة الأسد التعميم رقم (463 ـ ش ـ) إلى وزارة الإدارة المحلية تطلب فيه إضافة قضية بيع العقارات أو الفراغ، في المناطق المنظمة وغير المنظمة إلى القضايا التي تحتاج إلى موافقة أمنية مسبقة. وهذا لحرمان المغتربين والمهجرين من التصرف بمنازلهم".
وأفاد "الشرع" بأن حالات الاستيلاء على العقارات تجاوزت في مدينة دمشق وضواحيها 15 ألف حالة، و 10 آلاف حالة سلب في حلب ومثلها في حمص، مشددا على أن أعداد المنازل المستولى عليها تزيد عن هذه الأرقام بكثير لعدم قدرة المغتربين إقامة دعاوى بسبب وجودهم خارج البلد، بحسب القانون رقم (12) لعام 2016.
ولفت "الشرع" إلى أن الكثير من المالكين لا يجرؤون على اقامة إدعاء ضد من سلبهم منازلهم، لأن بعضهم متنفذ في الدولة والبعض الآخر يترأس عصابة تشبيح تقاتل إلى جانب النظام، مشيرا إلى وجود عصابات من القضاة والمحامين تتعامل مع هؤلاء السارقين تنفذ لهم كل شيء عن طريق التزوير بدءا من العقود والوثائق وانتهاء بتزوير البصمات والهويات الثبوتية.
*فقدان وثائق الملكية
حرب الإبادة التي تعرض لها الشعب السوري، أفرزت جملة من المشاكل على الناجين من الموت، كإتلاف واختفاء سجلات القيد العقاري، بسبب القصف الذي صهر حجارة المنازل الصلبة بما احتوت من أثاث وأوراق، كما أن الهروب المفاجئ وحالات النزوح جرت في كثير من الأحيان بعد ترك الشخص كل ما يملك حتى ما يثبت هويته، وهو ما سيؤثر على حقوق المدنيين.
وفي هذا الصدد أكد أستاذ القانون في جامعة باريس العاشرة "علي الحمدان" على أن فقدان الوثائق في ظل هذه الأزمة من أبرز الملفات التي تتطلب في المرحلة المقبلة عملا جديا وقوانين مختلفة ناظمة تتفهم الأحداث وتسهل عمل المتضررين، وتعالج كافة اشكالياتهم، سواء المتعلقة منها بالأوراق الثبوتية، أو تلك المتعلقة بإثبات الملكيات العقارية.
وفي تصريح لـ"زمان الوصل" قال الحمدان: "نعم فقد تعرض قسم كبير من السجلات العقارية والمدنية للضياع أو الحرق أو الإتلاف مما سيؤدي بالنهاية إلى ضياع الكثير من الحقوق. بشكل عام يجب اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة من أجل نسخ السجلات والاحتفاظ بنسخ منها في أكثر من مكان والاحتفاظ بنسخ مؤتمتة ومؤرشفة إلكترونيا إن أمكن ذلك".
وأضاف: "قامت بعض الجهات فعلا بأرشفة السجلات ولا بد أن نذكر هنا تجربة تجمع المحامين السوريين الأحرار الذي بدأ بتنفيذ مشروع التوثيق الوطني للسجلات العقارية في إدلب، عن طريق تصوير الوثائق وحفظها على (هاردات) خارجية، ولكن المشروع توقف بعد فترة قصيرة".
وأوضح "الحمدان" أنه وفي سوريا المستقبل سيستطيع المتضررون رفع الدعاوى لإعادة الحقوق الضائعة وفي هذه الحالة يجب على المحاكم المختصة أن تتوسع في وسائل الإثبات، ولا تكتفي بالسجلات، فالأصل شرعا في مسألة إثبات الملكية والحقوق العينية الأخرى المتعلقة بالعقار لا يحتاج فيها المالك إلى وثيقة أو سجل ليثبت ملكيته، وإنما يكفيه شهادة بعض الشهود الثقات.
وقال: "إذا رجعنا إلى الأصل الشرعي، فإن قيود السجل العقاري لا تتعدَّى كونها قرينة تحتاج إلى تأييدها بشهادة شاهد على الأقل، ويمين المدعي للاطمئنان إلى صحة ما تضمنتها من معلومات. كذلك أحد الحلول المقترحة هو إصدار بدل ضائع في حالة وجود أرشيف بالوثائق المختلفة لدى الجهات المختصة. ويمكن أيضا إثارة مسألة التعويض للمتضررين الذي لم يستطيعوا استرجاع ملكيتهم".
*الوثائق في المناطق المحررة
المدير العام للمصالح العقارية في درعا "عوض عبد الهادي" أكد على أن نظام الأسد سعى جاهدا لتدمير الدوائر العقارية بهدف ضياع حقوق الناس في ملكياتهم العقارية، مشيرا إلى أن النظام اعتمد في الدوائر العقارية على وضع المنطقة إن كانت داخل أو خارج عن نظامه، حيث تم إيقاف عمليات التوثيق نهائيا في المناطق المحررة.
وقال: "النظام أصدر المرسومين (11-12) للعام 2015، القاضيين بمنع إنشاء الحقوق العينية العقارية في المناطق الخارجة عن سيطرته.
وأكد الصالح على أنهم وجدوا سجلات مزورة من قبل النظام، لكنهم في مديرية المصالح العقارية الحرة قاموا بتصحيح التزوير، مشددا على أن الأشخاص الذين فقدوا ملكياتهم وليس لديهم سندات تمليك أو قيود عقارية يمكن لهم مراجعة الدوائر العقارية الحرة لتسجيل ذلك.
وأردف: "في المناطق المحررة كدرعا يوجد معلومات ووثائق عقارية كاملة لكل المحافظة، مثل (السجلات العقارية، والمخططات، والمساحة، والفهرس الهجائي، وجهاز مساحي حديث من أجل الإفراز وبيان الحدود) وتم توثيق عدد المعاملات في المديرية بحوالي 5000 عقد من الشهر الخامس لعام 2015 وحتى تاريخ اليوم".
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية