إسرائيل تعترف مرة أخرى.. والإعلام الإسرائيلي يقدم سبقا صحفيا متأخرا 9 سنوات وكتابين
معاريف وهآرتس تنضمان لإعلام الممانعة
ثانية يعود الإعلام الإسرائيلي الى حكاية الإنجاز العظيم، لجيشه و"موساده"، بضرب المشروع "النووي" السوري العتيد، مازجا بين تمجيد الذات، وتمجيد "الآخر"، حتى ليطغى الثاني على الأول، في ثنايا الحكاية، وصياغة الاحداث، كما في هدف الرواية الممجوجة وموائلها..
صور لعملية القصف، تلاه سيل مفرط من مقالات ومطولات، افترض كل منها أنه يقدم "سبقاً" صحفيا، بكشف "الملحمة" الاسرائيلية، في ضرب موقع "الكبر"، إلا أنه سبق يأتي متأخرا بنحو تسع سنوات عن "ديرشبيغل" الألمانية، "نشرت الحكاية عام 2009"، ناهيك عن كونه متأخرا عن نفسه، فقد سبق لـ "هارتس" أن تناولت الموضوع ذاته، في مقال مطول نشرت ترجمته جريدة زمان الوصل بتاريخ 19/8/2012، ناهيك عن أن الرواية نشرت مئات المرات، في صحف ودوريات ومواقع الكترونية، بل ووثقت في كتابين "إسرائيليين" أيضا.
رغم ذلك يصر الإعلام الإسرائيلي والغربي، على استعادة الحكاية وتكرار سردها، بالتزامن مع ما يجري على الأرض السورية، منذ 2011، وكانت مجلة ناشيونال انترست، الأميركية، سبقت معاريف وهارتس و "i24" بنحو شهرين، لتمرر السبق الصحفي العتيق ذاته، بتوقيع الخبير في الشؤون الإسرائيلية، "مارسيل سير"، الذي اختار مدخلا لمقالته، التذكير بالعقيدة الإسرائيلية التي وضعها مناحييم بيغن، "ممنوع منعاً باتاً وبأي حال من الأحوال أن تحصل دولة عدوة على سلاح نووي"، ليحيلنا الى سؤال مشروع، حول تصنيف إيران في تلك العقيدة، فقد استهدفت "إسرائيل" في تاريخها سافر العنجهية، والهمجية، هدفين نوورين، في العراق 1981، وفي سوريا 2007، وكلا الهدفين لا يبعد كثيرا عن "بوشهر"، إلا إن كان المشروع النووي الإيراني المعلن، والذي يدفع واشنطن لتقديم تنازلات تلو التنازلات، خارج دائرة "العدو"..
إلا أن مقال "ناشيونال انترست" كما يبدو، لم يكن يبحث في العداء الإسرائيلي لإيران، بقدر ما كان مشغولا في اثبات عداوتها "المفترضة" للأسد، الذي قدمه، كما يقدمه الإعلام الإسرائيلي الآن، بطلا صنديدا، قويا، عظيما، جبارا، عصيا على الهزيمة، حتى أن إسرائيل وأميركا، كانتا ترتعدان خوفا، أثناء تفكيرهما باستهداف مشروعه "النووي"، وبات كل منهما يلقي مسؤولية الهجوم على الآخر، ويدّعي أنها لم يكن على علم "بالهجوم"، وحتى في الإعلان "الجديد" عن مسؤولية إسرائيل عن الضربة، تواصل الحكاية إعفاء أمريكا من المسؤولية، عبر التذكير بتصريح كونداليزا رايس الذي يلقي اللوم على إسرائيل وحدها.. علما ان تلك الادعاءات، فندها وكذبها كتاب "الحرب السرية على إيران"، للصحافي الإسرائيلي رونن برغمان، كما فندتها روايات أخرى، لضباط موساد سابقين، أكدوا معرفة واشنطن وموافقتها.
الحديث، وتكرار الحديث، عن رعب أمريكا من "سورية الأسد"، وخوف "إسرائيل" من ردة فعل الأسد، ووقوف العالم على قدم واحدة، بانتظار حرب عالمية ثالثة، أثر الضربة، أطاح بها الأسد الصغير، بتجاهله للضربة، حتى كاد ينكرها تماما، لولا التسريبات الإسرائيلية "المرتعدة"، فيما يبدو الحديث سرياليا في ظل الشهرة الواسعة، للنهج السوري، بـ "الاحتفاظ بحق الرد ".
هل كان الموقع نوويا حقا
الدكتور يسري أبو شادي كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، "سابقا" يؤكد في كتابه "حقيقة المفاعل النووي السوري"، استحالة ان يكون موقع "الكبر" موقعا نوويا، وكانت جريدة "زمان الوصل" نشرت عرضا للكتاب، وشهادة للمؤلف، في تموز من العام 2010، بعنوان "زميل البرادعي يكشف أسرار المفاعل النووي السوري المزعوم"، كما توقفت "زمان الوصل" عند موضوع "الكبر" في مادة مكتوبة وأخرى مرئية، بعنوان (تجريف الخدعة .. بين يورانيوم "الكُبر" و"اغتيال أبو كامل") في آب اغسطس 2017.
وتقول "زمان الوصل": "أظهرت المعلومات أن خبراء كوريين شماليين وسوريين وايرانيين كانوا يعكفون على إنشاء بنك آمن لليورانيوم عالي التخصيب، لصالح المشروع النووي لإيران وكوريا الشمالية خارج حدودهما"، ولعل عمليات تجريف الموقع بعد القصف وإنشاء بناء جديد خلال فترة قياسية، 45 يوما، تؤكد أن الموقع لا يصلح أن يكون مفاعلا نوويا من الناحية الفنية، وهو ما ذهب اليه الدكتور "يسري أبو شادي" الذي استقال من عمله في هيئة الطاقة الذرية على خلفية اتهام سوريا "آنذاك" بإنشاء مفاعل نووي.
وأكدت مصادر "زمان الوصل" أن بشار الاسد أوعز للعميد محمد سليمان، المسؤول المباشر عن نشاطات السلاح غير التقليدي، بإزالة وتجريف منطقة القصف بالكامل وتنظيفها.. وجرى بالفعل تجريف التربة على عمق عدة أمتار ورميها داخل نهر الفرات، وجرى تجميع الأجهزة والمعدات والمخلفات الصلبة ونقلها تحت إشراف الخبراء الكوريين إلى "تقسيس" في ريف حماة حيث المشروع 99 سكاد.
ويخلص تقرير "زمان الوصل" أن تجريف الموقع وإنشاء بناء آخر مكانه، بزمن لا يتعدى 45 يوما، يؤكد أن الموقع لم يمكن أن يكون مفاعلا نوويا، ولم يكن في اقصى الحالات، سوى مخزن احتياطي، قد يكون مخزنا سريا للمشروع النووي الإيراني، على أرض دولة حليفة.
والواقع أن أي متابع للشأن السوري، يمكن أن يصل الى النتيجة ذاتها التي وصلها أبو شادي، دون حاجة لتحليلات أو مختبرات، فالسؤال الأهم لماذا سيسعى النظام السوري لامتلاك سلاح نووي..؟، إلا إن كان الجواب، لكي يقصف حرستا، وهذه الإجابة بالتحديد، هي ما يسعى الإعلام الصهيوني للتعتيم عليها، واستبدالها بخطاب الممانعة والمقاومة الذي ثبت بطلانه وتضليله، كاشفاً أن ذاك الخطاب، لم يطبخ إلا في الأروقة الصهيونية ذاتها، إذ لا حياة لإسرائيل دون "الممانعة" حجة، كما لا حياة للممانعة، دون "إسرائيل" مشجباً..
الحكاية التي لا تنتهي..
أن تصر إسرائيل وقت الضربة على ان المكان مفاعلا نوويا، مسألة مفهومة، لو وضعنا جانبا كون إسرائيل دولة مارقة، لا تعنيها الاتفاقيات الدولية ولا شرعة الأمم المتحدة، ولو افترضنا جدلا ان الأمم المتحدة جدية في محاسبة إسرائيل على افعالها الهمجية، لكن الغريب ان يستمر الإصرار الإسرائيلي على الرواية ذاتها بعد "دزينة" من السنوات، تطوعا ودون مبررات أو ضرورات، إلا إن كانت إسرائيل واعلامها، تستهدف "وراء الأكمة" هذه المرة.
في حزيران 1981 قامت إسرائيل بقصف "المفاعل النووي" العراقي، في عملية "جريئة"، اخترقت خلالها الطائرات الإسرائيلية أكثر من مجال جوي، منها، للمفارقة، المجال الجوي السوري، لتضرب هدفا، لم ينكر أصحابه أنه يهدد إسرائيل، على عكس موقع "الكبر"، الذي ينكر النظام السوري "نوويته".
من زاوية إسرائيلية، يفترض أن قصف المفاعل العراقي هو الأكثر أهمية، إلا أنه لم يحظ بكل هذا الاهتمام، "والتكرار"، بل كان عملية من عمليات دولة الاحتلال القذرة وانتهى الأمر، فيما لا تخبو قصة "الكبر" السوري ولا تنطفئ، وتتوالى الروايات والتقارير الصحفية، وكل منها يدعي سبقا، ولا يأتي بجديد، ويكرر التحليلات ذاتها والقراءات عينها، رغم كونها غير قابلة للتصديق.
تفاصيل وحكايات رديفة
تنقل رواية "الكبر"، فيضا من حكايات رديفة، لا تقل هزالا عن الحكاية الأم، ومنها حكاية منشق إيراني نقل لجهات أمريكية معلومات عن "البرنامج السوري النووي والمفاعل ذي مهدئ غرافيتي قادر حسب المفترض على إنتاج البلوتونيوم للأسلحة النووية"، ثم حكاية اختراق الموساد لجهاز كمبيوتر شخصي لمدير هيئة الطاقة الذرية إبراهيم عثمان، تارة في اسبانيا وتارة في النمسا، والعثور فيه على صور فوتوغرافية للمنشأة وللخبراء الكوريين، وهو ما ورد سابقا في كتاب الموساد العمليات الكبرى، لميخائيل بار زوهار، مع اختلاف الروايات قليلا في هذه النقطة، سواء في مكان الوصول للكمبيوتر المحمول، أو في التفاصيل التالية، التي يلمح بعضها بتجنيد عثمان ذاته، لصالح الموساد، أو يكشف عن عملاء آخرين، في سابقة جديدة كليا على جهاز الموساد، بكشف عملائه، عبر تسريبات إعلامية، ثم تنقلنا الحكايات الرديفة، الى جاسوس آخر، تم كشفه بناء على معلومات مصرية، فاعتقل وحوكم وحكم واعدم على عجل، "أيمن الهبل"، وهي رواية لها من يكذبها أيضا، ثم حكاية تعامل محمد سليمان ذاته مع إسرائيل، والذي انتهى بان تقوم إسرائيل ذاتها، ويا للعجب، باغتياله، بينما تؤكد مصادر أن مقتل سليمان جاء على يد حزب الله انتقاما لاغتيال عماد مغنية، وبموافقة سورية.
كل واحدة من الحكايات الرديفة تحتاج وقفة بمفردها، مثلما تحتاج عملية ضرب موقع "الكبر" المسماة إسرائيليا "عملية البستان"، الى مراجعة متأنية، لفهم هدف الإصرار الإسرائيلي على تكرارها إلى هذا الحد.
صبحي حليمة - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية