ارتفع عدد ضحايا العدوان الصهيوني الغادر والغاشم إلى أكثر من 420 شهيداً، وأكثر من ألفي جريح ( ساعة كتابة هذه السطور)، وهذا يعني بالتوصيف القانوني، الذي سنأتي عليه أدناه، عملية "إفناء جزئي" لجماعة بشرية، يرتقي إلى مرتبة جريمة الحرب والإبادة الجماعية، وما يترتب عليه من ملاحقة قانونية دولية واجبة وملزمة. وأرى أنه من الملائم تسمية العملية بـ"الدم المتدفق"، بدلاً من الرصاص المتدفق فهو أفضل تعبير عن هدف العملية، وواقع الحال.
وبداية، فلقد ظهر مصطلح الإبادة الجماعية الـ Genocide في العام 1943 على يد المحامي البولندي اليهودي رفاييل لمكين الذي اشتقها من كلمتي "جينوس" وتعني عـِرقاً أو قبيلة، وكلمة "سايد" اللاتينية التي تعني القتل. وما يحصل اليوم في غزة من محرقة بشرية دموية مرعبة، وهولوكوست وعنصري ووحشي فظيع هو، بالتوصيف القانوني، واحدة من جرائم الحرب الكبرى، والمجازر المرتكبة ضد الإنسانية، وانوع من العقوبات الجماعية والإبادة المنظمة ضد جنس بشري بعينه يعاقب عليها القانون الدولي. وما كان لمجرمي الحرب الصهاينة، من القيام بهذه المذبحة لولا تواطؤ وتسهيل وغض طرف من أطراف عربية وفاعلة وعلى رأسها مصر -مبارك الذي أعلن بالفم الملآن، في خطابه المتلفز الأخير، بأنه لن يفتح المعبر، رغم علمه اليقين بأن ذلك يساهم بتكريس عمليات الإبادة والمجزرة، ويعمل على رفع أعداد ضحاياها، باضطراد. فالإبادة الجماعية، تعني حسب النصوص القانونية الدولية، أي فعل من الأفعال المحددة في نظام روما ( مثل القتل او التسبب بأذى شديد)، يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكا كليا أو جزئيا.
ولقد ساهمت جهود المحامي اليهودي هذا في فتح الباب أمام تبني ميثاق الأمم المتحدة للإبادة الجماعية في شهر ديسمبر/ كانون الأول عام 1948، والذي دخل حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني عام 1951. وتعرف الفقرة الثانية من الميثاق الإبادة الجماعية بأنها "ارتكاب أي من الأعمال التالي ذكرها بـِنـِيـّة إهلاك، سواء كليا أو جزئيا، جماعة قومية أو عرقية أو دينية. وهذه الأعمال هي:
1- قتل أفراد الجماعة.
2- التسبب في إلحاق أضرار بدنية أو نفسية خطيرة بأفراد الجماعة.
3- تعمد إجبار جماعة ما على العيش في ظل أوضاع مهيأة خصيصاً لكي تهلكها بدنياً.
4- فرض تدابير بغرض منع الجماعة من التناسل.
5- نقل أطفال جماعة ما قسراً إلى كنف جماعة أخرى.
ولعل البند الثالث المذكور أعلاه، بشكل خاص، من الميثاق يوضح، بجلاء، وبلا لبس، ويحدد مسؤولية القيادة المصرية مباشرة عما يرتكب، وتعتبر مسببة للمجازر المروعة في غزة عبر الحصار الذي "يتعمد إجبار جماعة ما على العيش في ظل أوضاع مهيأة خصيصاً لكي تهلكها بدنياً"، وهو نص صريح وواضح ولا يقبل التأويل. وهذا الحصار الجائر يتعمد، أيضاً، التسبب في إلحاق أضرار بدنية ونفسية خطيرة بأفراد الجماعة، ويجبرهم على العيش في ظل أوضاع مهيأة خصيصاً لكي تهلكهم بدنياً. وفي الحقيقة تعمل اليوم بعض الجماعات الحقوقية، من جهة أخرى، وبناء على هذه الفقرات بالذات، على إخضاع الرئيس بوش لمحاكمة دولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وعمليات إبادة جماعية بحق عراقيين تجاوزت أعدادهم المليون، إضافة إلى ملايين أخرى مهجرة من العراق، وهذا ما نأمل ألأن يطبق مستقبلاً على عمليات التهجير التي طالت مسيحيي العراق، وأقباط مصر، والشرق الأوسط بشكل عام. فهل هناك ثمة فرق، في هذه الحالة، بين مبارك وبوش؟ ولتأكيد تماهي الأدوار وتبادلها أحياناً، وفي هذا السياق، لم يكن من المستغرب البتة، أن يتصل بوش شاكراً مبارك على "الدور الإيجابي" الذي لعبته مصر في الأيام الأخيرة كما صرح بذلك المتحدث باسم البيت الأبيض جوردون جوندرو. فما يعجز أو يخجل بوش عن فعله، يوكله إلى الزعماء العرب لتنفيذه.
والاتفاقية الدولية المبرمة في عام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية، عـَرّفت في مادتها الثانية هذه الجريمة، بأنها تتمثل في «إخضاع جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية عمداً لظروف معيشية يراد منها تدميرها كلياً أو جزئياً، وهو ما عبر عنه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي عرف الإبادة المـُجـَرّمة بأنها «تشمل فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول علي الطعام والدواء»، وقد أشار النظام الأساسي إلي اختصاص المحكمة بمختلف قضايا الاضطهاد، الذي عرف بأنه «حرمان جماعة من السكان أو مجموعهم حرماناً متعمداً وشديداً من الحقوق الأساسية. وتقول المادة 25 (3) (ج) إن كل من يساعد شخصاً على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو الشروع في ارتكابها أو يحرضه على ذلك أو يساعده بأي شكل من الأشكال يعد مذنباً بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. ورغم أن التآمر على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية لم يعرف صراحة باعتباره جريمة، على النقيض من المادة 3 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، و المادة 25 (3) (د) [في الأصل الإنجليز ي خطأ المادة 23] من النظام الأساسي تنص على تجريم هذا السلوك نفسه. (الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومصادر حقوقية أخرى).
ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة وتجريمهم أمر بديهي ولا يحتاج لكبير عناء لتأكيده، غير إن تطبيق الاتفاقيات والمواثيق الدولية والتوسع في ملاحقة المتورطين والمسهلين والمنغمسين في الإجرام، وهو من صلب آلية أية عدالة وعمل قانوني، سيجد تطبيقه، ولا بد، سبيلاً إلى الرؤوس الكبار في الدولة المصرية، وعندها قد يتحقق جزءاً من العدالة الإنسانية المطلوبة، رغم أنه لن يعيد للضحايا حياتهم الأغلى والأعز التي فقدوها، كما لن يخفف من وطأة الآلام النفسية والجسدية والخطيرة التي خلفها الحصار، والتي كان للقيادة المصرية، الباع الأولى، والطولى فيها. فهل يفلتوا مجرمو الحروب من العقاب واستحقاقات العدالة الدولية؟
*( استقينا، بالطبع، بعض المعلومات الحقوقية من أكثر من مصدر حقوقي معنية بنشر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية)..
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية