جلس على مصطبة أمام منزل ذويه يبكي بصوت عال وصل مسامع والدته التي كانت تغسل الصحون في المطبخ، فهرعت لتعرف ما جرى لابنها حسان "ليش عم تبكي صرت شب؟" فأجابها بلهجة المنتصر "أنت قلتي شب، لكن ليش ما تشتري لي بارودة حتى أطلع مع شباب ورجال الضيعة نتصدى لرتل النظام اللي طالع يهاجم الثوار بالكبانة؟".
اختلطت مشاعر أمه بين فرح لإحساس ابنها بالمسؤولية واندفاعه باتجاه مناصرة الثورة، وحزنت على عدم قدرتها ووالده على شراء بندقية، ولكنها لم تتردد بنزع خاتم زواجها من اصبعها عنوة، أعطته له وقالت "اذهب لأخوالك في "مرج خوخة" وأعطهم الخاتم واطلب منهم أن يشتروا لك بندقية بثمنه".
هذه القصة جرت في قرية "طعوما"، لكنها تكررت بصورة متقاربة معها مرات عديدة في قرى كثيرة بجبل الأكراد بريف اللاذقية وغيره من المناطق.
امتلك حسان بندقية لكنه لم يستطع اللحاق بركب المقاومين الذين تصدوا لأول هجمة للنظام على من أعلن الثورة بريف اللاذقية، ولكنه لم يغادر معركة منذ ذلك الوقت، كان هذا في شهر تشرين الأول أكتوبر من عام 2012، حيث كان بمقدمة الثوار في معارك تحرير جبلي الأكراد والتركمان، غير أنه استشهد خلال معركة تحرير قرية "أوبين"، وكان والده قد سبقه إلى الشهادة في معركة سابقة.
يتحدث أبو درويش عمّ حسان عن بدايات تحرير ريف اللاذقية، فيشير إلى مشاركة كل الرجال والشباب في قتال عصابات النظام، وتمكنوا من طرده بأسلحة بسيطة تم شراؤها من مصاغات الأمهات، قبل أن يغتنموا أسلحة مفارز النظام ووصول الدعم الخارجي لهم.
وروى أبو درويش لـ"زمان الوصل" كيفية انطلاق الثورة المسلحة في جبل الأكراد "سبعة من شباب الجبل لا يمتلكون سوى بندقتي كلاشنكوف وخمس بنادق صيد تمترسوا في قرية "الكبانة" وبدأوا بمهاجمة مفارز أمن النظام، لينضم إليهم الشباب تباعا بأسلحة مشابهة، عجز النظام عن إخضاعهم رغم مهاجمته لهم عدة مرات، حيث كان سكان القرى يساهمون في التصدي لأرتاله المدرعة ويضعفون قوتها قبل الوصول إليهم، كما كانوا يستهدفونها أثناء تراجعها مهزومة فيوقعون الكثير من القتلى بصفوفها.
شهد عام 2013 تحرير كامل مساحة جبلي الأكراد والتركمان، وهدد الثوار معاقل النظام في "صلنفة والبهلولية وكفرية"، ولكنهم لم يستطيعوا التقدم أكثر مع "بدء تسييس العمل العسكري" حسب متابعين.
مع دخول الثورة عامها الثامن، لم يتبق من تلك المناطق التي حررها أبناء ريف اللاذقية بمشاركة كثيرين من الشباب الذين التحقوا بهم من أبناء المدينة سوى عدد قليل من القرى، حيث استعاد النظام السيطرة عليها مع بداية القصف الروسي على المنطقة في نهاية شهر أيلول سبتمبر/2015.
لا شك أن طيران الاحتلال الروسي كان العامل الأهم في حسم المعركة لصالح قوات الأسد، لكن كثيرا من أبناء الريف يتحدثون عن خيانات وعمليات تسليم للمناطق دون قتال، فيما يرى محللون عسكريون وسياسيون أن ما جرى كان وفق توافقات دولية تقتضي ذلك مقابل دخول مناطق في مواقع أخرى على حساب ريف اللاذقية رغم أنه الأهم جغرافيا لملاصقته معاقل النظام ومنابع مرتزقته.
المقدم أبو أحمد أحد الثوار الأوائل وقائد أول لواء تم تشكيله في جبل الأكراد قال إن الأموال المسيّسة التي وصلت إلى الثوار والتزام كثير منهم بغرف التمويل العسكرية، كانت خنجرا في خاصرة الثوار "حدّت من معاركم وتقدمهم، اهتموا بتكديسها وتنازعوا القيادة".
وأضاف أبو أحمد في تصريح لـ"زمان الوصل" قائلا: "كان لدخول التنظيم إلى المنطقة دور كبير في تشويه سمعة الثوار وشرذمتهم وإضعافهم، اغتال عددا من أبرزهم وأكثرهم إخلاصا، ليس هذا وحسب بل تمكن النظام من تجنيد عملاء له اغتالوا ثوارا معروفين وأفشلوا معارك مهمة، وغير بعيد عن ذلك ضغط عدد من المعارضين السياسيين على الثوار لمنعهم من التقدم باتجاه معاقل النظام".
وأكد أخيرا أن في ريف اللاذقية رجالا أشداء لا يقبلون الضيم والهزيمة، سينتصرون بداية على قاداتهم "العملاء" وسيحررون الجبل مجددا، حسب "أبو أحمد".
ودعاهم للاستقلال بقرارهم وعدم الالتفات لما أسماه "العلاك السياسي" و "ما يتم تقريره من تحت الطاولات".
سكان ريف اللاذقية الذين نزحوا مرات عديدة ويقيم أغلبهم اليوم في مخيمات قريبة من الحدود التركية ينتظرون الآن وعد فصائل المقاومة بفتح معركة كبيرة تكون نصرة للغوطة تعيد تحرير قراهم، أحدهم يقول "نريد العودة لبساتين التفاح وإعمار ما هدمه المجرمون، بعد أن نقرأ الفاتحة على أرواح شهدائنا في مقابرهم".
عبد السلام حاج بكري - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية