كحال أهل أي منطقة يشتد فيها القصف والاشتباك، يحاول أهل منطقة عفرين أن يفروا بأنفسهم نحو أماكن أكثر أمنا وهدوءا، وتحديدا نحو بلدتي نبل والزهراء، على أمل أن يقوم هؤلاء بـ"رد الجميل" للعفرينيين الذين شكلوا شريان إمداد وحيد للبلدتين الشيعيتين ومنعوا سقوطهما بأيدي الفصائل.
لكن الأمل الذي يرسمه هؤلاء العازمون على النزوح نحو "نبل" و"الزهراء" سرعان ما يتبدد، بل وينقلب تشاؤما وغثيانا عندما يصبح لزاما على الشخص الواحد الراغب في مغادرة منطقة عفرين أن يدفع مبلغا باهظا يتراوح بين ألف و1200 دولار (الدولار بنحو 475)، كما علمت "زمان الوصل".
وفي هذا الجو الذي ازدهرت على هامشه تجارة تهريب البشر، بدأ الطرفان في "عفرين" و"نبل" يتقاذفان الاتهامات حول المسؤول عن هذه "المذبحة المالية" بحق جيوب أناس جاؤوا بصفة نازح لا سائح، حيث يدلي كل طرف بروايته وحججه.
*خدمات
فـمن داخل "عفرين" تتعالى الأصوات التي تتهم "نبل" و"الزهراء" بنكران "المعروف" والتمنع عن ردّ "الدين" الذي طوق رقبة البلدتين الشيعيتين وجعلهما "تصمدان"، ومنح أهلها ومرتزقتها فرصة الحصول على معظم ما يرغبون به من إمدادات وخدمات، بما في ذلك تهريب من يرغب نحو تركيا ليبقى هناك أو ينتقل لاحقا نحو مناطق النظام في الساحل.
وليس هذا فحسب، فكشف حساب الخدمات التي قدمتها "عفرين" طويل، إذا إنها أمنت مأوى لعدد كبير من ضباط وعساكر النظام الذين فروا من مطار منغ بعد سقوطه، وقدمت لهم الحماية، كما فتحت ممرا لعبور مرتزقة البلدتين ليستعين بهم النظام في جبهات متعددة، لاسيما أيام معارك حلب.
هذا في الماضي، أما الحاضر والمستقبل، فإن "عفرين"، وبحسب أصوات تبعث منها، تمثل خط الدافع الأمامي عن "نبل" و"الزهراء" وإن سقط هذا الخط (عبر نجاح الجيش التركي وفصائل "غصن الزيتون" في السيطرة على عفرين)، فإن على البلدتين اللتين تشكلان قاعدة إيرانية أن تتقلبا على جمر القلق مما سيحلق بهما.
وتوجه الأصوات القادمة من "عفرين" اللوم مباشرة إلى مرتزقة "نبل" و"الزهراء" منتقدة جشعهم، ودناءة حواجز النظام والمسؤولين عنها، حيث تمنع هذه الحواجز حتى أولئك الذين وصلوا "نبل" و"الزهراء" بعد دفع "الخوة" الباهظة.. تمنعهم من مغادرة البلدتين نحو حلب إلا بعد إذلال ودفع أتاوة أخرى جديدة.
*دون أقنعة
وفي مواجهة ذلك، ترد أصوات من "نبل" و"الزهراء" محاولة الإيحاء بأن تجارة تهريب النازحين من عفرين، وفرض الرسوم الفاحشة (تصل نحو 600 ألف ليرة على الشخص)، إنما هو من فعل مليشيا وحدات الحماية التي تقدم نفسها كحامية للأكراد ومدافعة عنهم.
وبحسب ما يروج بعض المتحدرين من "نبل" و"الزهراء" أو المدافعين عنها، فإن"وحدات الحماية" هي التي تصعب عملية فرار الأهالي، وتجعلها شبه مستحيلة، وتغلق المنافذ في وجه الفارين، لأسباب متعددة، قد يكون من بينها رفع تسعيرة المرور على حاجز "الزيارة" الذي ما زال تحت سيطرة مليشيا وحدات لحماية.
ولا يعدم من يدافعون عن البلدتين الشيعيتين حججاً أخرى كثيرة في معرض تقديم هاتين البلدتين بأبهى صورة من "الوفاء" و"التآخي" والالتزام بأوامر وأخلاق "أهل البيت"، فتارة يقولون إن من يمارسون السمسرة ويقبضون الأموال الطائلة على تهريب النازحين، هم مجرد "قلة" لايمثلون أهل "نبل" والزهراء".
وأخرى يقولون إن حواجز جيش النظام من فرقة رابعة وجوية وحتى مرتزقة سهيل حسن، هم الذين يرفعون تسعيرة العبور سواء من منطقة عفرين نحو "نبل" و"الزهراء"، أو من الأخيرتين نحو "حلب".
وثالثة يقول هؤلاء إن السائق الذي يخرج بسيارته من البلدتين الشيعيتين نحو "عفرين" إنما يخرج مخاطرا بحياته وسيارته، وهو لايتقاضى سوى 150 ألف ليرة (فقط) لقاء نقل الراكب من "عفرين" نحو "نبل"، علما أن المسافة التي تستحق هذا المبلغ الكبير لا تتعدى 30 كيلومترا!، وهو مبلغ يعادل 315 دولارا أمريكيا، ما يجعل كل كيلومتر بنحو 10 دولارات، وهي "تعرفة" لم تعرفها البشرية في عالم النقل البري ولا البحري ولا ربما الجوي.
وعندما يحتد الجدال وتعود الأصوات المنبعثة من عفرين لتطالب بلجم تلك "الأقلية" ومنعها من "تشويه" صورة البلدتين، ينبري مدافعون عنهما ليقولوا إن "عفرين" لم تقدم شيئا بـ"بلاش"، وإن المتحكمين بأمورها قبضوا خلال السنوات الماضية ثمن كل ما "يمنون" به اليوم على البلدتين.
وبحسب هؤلاء فإن طهران كانت تدفع الملايين لمن يتحكمون بشؤون عفرين ليضمنوا شريان الإمداد مفتوحا، وليسمحوا بعبور المرتزقة و.. و..، أما تجار "عفرين" و أصحاب عقاراتها ومهربوها فقد أثروا على حساب حصار نبل والزهراء وضاعفوا أرباحهم وأموالهم، وهذه حقيقة الأمور، دون أقنعة.
أخيرا:
بين الأصوات المنبعثة من "عفرين" وتلك الصادرة من "نبل" و"الزهراء" يختلط الحابل بالنابل، وتسقط حجج وتعلو أخرى لا تلبث أن تسقط لاحقا، ويبقى الثابت والأكيد أن هناك عصابات تتحكم بحياة الفارين من عفرين وتجبرهم على دفع الأتاوات المفرطة ليعبروا نحو الجوار، وهذه "العصابات" وبشهادة الطرفين ليست فصائل الجيش الحر، التي دأب كل من النظام وإيران ووحدات الحماية على نعتها بـ"العصابات الإرهابية والتكفيرية"، بل هي العصابات الحقيقية التي تثبت مقولة "دود الخل منه وفيه".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية