مرة أخرى نقول أنه لا مفاجأة في العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة ، فالعدوان الإسرائيلي ضد شعبنا في فلسطين متواصل منذ قرابة القرن . ارتكب خلاله العدو سلسلة من المجازر التي لن تكون المذبحة المفتوحة في غزة التي ابتدأها العدو الصهيوني يوم السبت الماضي آخرها. فإرتكاب المجازر جزء أساسي وعقائدي عند هذا العدو من أيام جالوت إلى يوم الناس هذا . ولن تغيب عن ذاكرة الأمة مجازر قانا ، ولا مخيم جنين ، ولا بحر البقر ، ولا قبية ولا السموع، ولادير ياسين، وصولاً إلى المجزرة المستمرة ضد غزة ..
ومثلما لن تغيب هذه المجازر عن ذاكرة الأمة، فإن أمتنا لن توقف بهذا الأسلوب الذي تلجأ إليه عند كل مجزرة يرتكبها العدو، لن توقف بهذا الأسلوب مسلسل المذابح والمجازر الذي تواصل إسرائيل تنفيذه . فالاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة وبالمسيرات التي تنفس الغضب، وتأتي من باب رفع العذر . والاكتفاء بالاستعانة بالأمم المتحدة وبمجلس أمنها وبما تسميه الرأي العام العالمي لن يردع العدو. وكأنه فات أمتنا أن إسرائيل ولدت على أيدي الأمم المتحدة وبقرار منها . وأن مجلس أمنها هو الذي يوفر الغطاء القانوني لكل ارتكاباتها . خاصة في السنوات الأخيرة التي صارت فيها الأمم المتحدة دائرة ملحقة بالخارجية الأمريكية . حتى أن الأمم المتحدة ومجلس أمنها وقفا عاجزين عن إدانة إسرائيل ولو ببيان . عندما أقدمت هذه الأخيرة على قتل جنود الأمم المتحدة بجنوب لبنان في حلقة جديدة من جرائمها بحق المنظمة الدولية .
أفليست الحركة الصهيونية هي التي قتلت الكونت برنادوت مبعوث الأمم المتحدة إلى فلسطين ؟
أليست هذه أدلة كافية للمراهنين على المنظمة الدولية لحماية الفلسطينيين وإعادة حقوقهم المسلوبة؟!
لهذا كله نقول إن إسرائيل لن تتوقف عن جرائمها إلا إذا أخذت أمتنا أمرها بيدها ، وخاضت حربها مع هذا العدو وفق قواعد الحرب الشعبية التي تضع التعادل في ميزان القوة بين أمتنا وبين أعدائها. وهي حرب أثبتت نجاعتها في تحرير أرض الأمة . سواء في الجزائر، أو بور سعيد وصولاً إلى جنوب لبنان حيث تمرغ أنف العدو في تراب الجنوب. بعد أن جُدع هذا الأنف على أيدي المجاهدين الذين اتقنوا فنون الحرب الشعبية امتثالاً لأمر دينهم، الذي يفرض على كل مسلم ومسلمة أن يكون مقاوماً. لأن الجهاد يصبح فرض عين على كل مسلم ومسلمة إذا ديس شبراً من أرض المسلمين فكيف إن احتلت أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟!
وحتى تأخذ أمتنا أمرها بيدها ، فقد صار لزاماً عليها بناء الشعب المسلح والمدرب. وصار لزاماً عليها تعميم تجربة المقاومة الشعبية ، وأبرز تجلياتها تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان. وهي المقاومة التي هزمت عدواً وحررت أرضاً. وأول خطوات هذا التعميم لتجربة الحرب الشعبية لبناء الشعب المسلح تستدعي أن تبادر فصائل وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وصولاً إلى أفغانستان إلى تنسيق جهودها ، وتكامل هذه الجهود ، وتبادل الخبرات فيما بينها ، ولهذا التنسيق والتكامل ضرورات كثيرة. أولها الاحتكام إلى أمر الله ، الذي يفرض على عباده وحدة الصف . وثانيها أن العدو واحد سواء في فلسطين أو لبنان أو العراق أو أفغانستان هو العدو الأمريكي الإسرائيلي ، الذي يشن على أمتنا حرباً شاملة . أول أهدافها القضاء على كل قوى المقاومة في أمتنا سواء على الصعيد العسكري أو الثقافي ، وصولاً إلى كل مجالات الحياة . فهذا العدو يريد أمتنا بلا أدنى حد من المقاومة . مهما كان نوع هذه المقاومة ومجالها . وثالثها أن قوى المقاومة في الأمة هي وحدها التي تشكل رافعة الوحدة والتوحيد التي يمكنها جمع جماهير الأمة حولها ، وتحويل غضب هذه الجماهير إلى فعل مادي ملموس في مواجهة العدو، فوق أرض الأمة كلها .كما أن هذه الجماهير وحدها القادرة على حماية المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان وتشكيل حاضنة حامية لها.
غير بناء الشعب المسلح، بل وحتى يتحقق هذا البناء ، وحتى تستطيع الأمة مواجهة عدوها الخارجي الذي صار بيناً واضحاً، فقد صار على الأمة أن تطهر صفوفها من أعداء الداخل. الذين صاروا أشد خطراً عليها من أعداء الخارج بمن فيهم إسرائيل. فهؤلاء الأعداء الداخليون الناطقون بالعربية، والمتحدثون باسم الإسلام، والقابضون على قرار الأمة الرسمي شركاء في العدوان على أمتنا . ليس بصمتهم على العدوان فقد تجاوز أعداء الداخل مرحلة الصمت على العدوان وانتقلوا إلى مرحلة المشاركة العملية بالعدوان كما حدث في العدوان الإسرائيلي الأمريكي على لبنان في تموز 2006 و كما يجري الآن في غزة
وهذه المشاركة العملية لأعداء الداخل في العدوان على أمتنا تأخذ صوراً شتى منها توفير الغطاء السياسي والقانوني للمعتدي. أو بالتنسيق الأمني وتمرير المعلومات للعدو، وصولاً إلى مرحلة المطاردة الفعلية للمقاومين قادة وأفراداَ وقتلهم أواعتقالهم أو تسليمهم للعدو. وآخر الوقائع على هذه المطاردات ما حدث لرجب الشريف الذي طارده العدو الإسرائيلي لسنوات وعجز عن القبض عليه وهو ما فعلته أجهزة أمن السلطة الفلسطينية على مسافة أيام من صدور حكم محكمة العدو على أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالحبس لثلاثين عاماً ، بعد أن سلمته لهم السلطة الفلسطينية أيضاً منذ سنوات.
ومثلما أن أعداء الداخل يطاردون المقاومين ويعتقلونهم بل ويقتلونهم. فإنهم أيضاً يمنعون عنهم كل وسائل المقاومة ابتداء من السلاح مروراً بالإعلام وصولاً إلى رغيف الخبز. فما كان لحصار العدو لغزة أن يؤتي أكله لو أن معبر رفح فتح في وجه المحاصرين. مثلما فتح أمام ضحايا العدوان على غزة. فمثلما شارك أعداء الداخل في حصار العراق وحصار السودان ومن قبلهما حصار ليبيا ها هم يشددون الحصار على غزة لتركيعها. ولولا هذا الحصار لغزة ومن قبلها العراق والسودان لما كان للعدو أن يحقق أهدافه من هذه الحصارات التي يفرضها على أمتنا . وأول هذه الأهداف احتلال أرضها كما هو الحال في فلسطين والعراق. الذي قدم أعداء الداخل كل التسهيلات لأعداء الخارج كي يحتلوه ويدمروه. تماماً مثلما يجري في فلسطين عموماً وغزة على وجه الخصوص
وإذا كان أعداء الداخل يشاركون بالحصارات المعلنة ضد أبناء الأمة . كما يجري الآن في غزة ، وكما جرى سابقاً في العراق، فإن أعداء الداخل هؤلاء هم الذين يمارسون الحصار الأبشع والأعنف على جماهير الأمة .عندما يصادرون إرادتها ، بل ويزورون هذه الإرادة .
عندما يطلقون أبواقهم وينفقون ملايين الدولارات على أجهزة إعلام مرئي وغير مرئي كل وظيفته تثبيط همم أبناء الأمة وتخذيلهم ، وملاحقة القوى الحية فيهم سعياً منهم لكسر إرادة المقاومة فيها. خدمة لأهداف أعداء الخارج.
إن تطهير صفوف الأمة من أعداء الداخل شرط أساسي من شروط انتصارها على عدوها ولنتذكر كيف فعل رسول الله مع المنافقين الذين شكلوا أعداء الداخل الذين تتجدد صورتهم هذه الأيام. ويتجدد دورهم . بل ويزداد خطراً . فقد صار أعداء الداخل في هذا العصر أكثر وقاحة وجرأة على إعلان نواياهم ، وممارسة جريمتهم بحق أمتنا ، التي آن لها أن تطهر صفوفها منهم
وإذا كنا نطالب الأمة بأن تأخذ أمرها بيدها وأن تطهر صفوفها من أعداء الداخل. فإنه قد آن الأوان كي يعترف الجميع بأن ما يجري في غزة برهان جديد لايقبل النقاش على سقوط سلام الشجعان الذي جعلوه خياراً استراتيجياً لأمتنا . رغم كل الرفض الصهيوني لهذا السلام ابتداء من النهايات المخزية التي أوصلتنا إليها مؤتمرات مدريد وأوسلو وأنابوليس مروراً باجتياح دبابات شارون للأراضي الفلسطينية رداً على المبادرة العربية للسلام . وصولاً إلى ما يجري الآن في غزة مما يؤكد أن هذا العدو لايفهم إلا لغة واحدة هي لغة القوة التي جدعت أنفه في لبنانه وستكسر عنقه في فلسطين.عندما تجمع الأمة كلها على المقاومة كخيار وحيد لها.وهذا كله سيتم عندما تأخذ الأمة أمرها بيدها
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية