من أكثر الأشياء التي تركت أثرا بالغا في نفوس السوريين، وآلمها وأحدث بها غورا سحيقا يصعب اندماله، هو الزج بالنساء السوريات في معتقلات الظلام والانتقام الأسدي، حيث تعرضن لأقسى أنواع القتل والتعذيب والاغتصاب.
ويعد هذا النهج انتهاكا للأعراف التي تسن القوانين الأخلاقية للبشرية والتي تنص على تحييد النساء والأطفال عن الصراعات، فهن "القوارير" الموصى بالرفق بهن لرقتهن وجمال إنسانيتهن وعذوبة روحهن، وهن اللاتي قال فيهن النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم "ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم".
ويبلغ عدد المعتقلات في سجون الأسد 8614، بينهن نحو 610 طفلات، حسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، ولهذا عملت النساء السوريات على تحدي الواقع المأساوي الذي وجدن نفسهن فيه، فأنشأن جمعيات ومنظمات خاصة ومنها "رابطة المعتقلات السوريات في الجنوب".
وتقول المهندسة "هدى محمد الديري" إحدى مؤسسات الرابطة إن "الهدف من تأسيس هذه الرابطة هو كشف الحقيقة وتحقيق العدالة لمعتقلات سجون نظام الأسد، والكشف عن مصير المفقودات، والمختفيات، وتوثيق أعدادهن ومناطقهن، وتاريخ فقدانهن، والجهة المسؤولة عن اعتقالهن".
وأضافت الديري لـ"زمان الوصل" إن الرابطة تعمل على شرح قضية المعتقلات أمام الرأي العام المحلي والدولي، والتعاون مع المنظمات الحقوقية المحلية والدولية للقيام بتحقيقات حول قضايا المعتقلات والمفقودات للعمل على إنشاء قاعدة بيانات تحتوي على ملفات خاصة لكل معتقلة، والعمل على حصر وتوثيق أسماء المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في سجون الأسد، بالإضافة للتواصل مع أسر المفقودين لأخذ أكبر قدر من المعلومات، وتبادل الخدمات والعمل والتعاون بأي طريقة تراها الرابطة مناسبة مع الجمعيات والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية والأكاديمية والإنسانية المهتمة بقضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير والمعتقلين والمختفين قسرا، والتواصل مع وسائل الإعلام بكافة أشكالها من أجل شرح قضية المعتقلات والمفقودات في سوريا، كما تقوم الرابطة بعقد الندوات والمؤتمرات المتعلقة بأهدافها أو بقضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير.
وعن إقبال المعتقلات على الرابطة لتوثيق حالات الاعتقال والانتهاكات المرتكبة ضدهن، أوضحت "الديري" قائلة: "في البداية كان هناك خوف لدى المعتقلات ولكن تدريجيا أصبح الإقبال جيدا والوضع أفضل، مشيرة إلى أن الرابطة ساعدت المعتقلات على تجاوز الآثار النفسية للاعتقال، فالمعتقلات بحاجة لدعم على كافة الأصعدة (نفسي وصحي ومادي) لأن أغلبهن خرج من المعتقل مع أمراض متنوعه مثل (السكري - ضغط الدم - أمراض كلى -أمراض عصبية)".
وأوضحت أن نشاط الهيئات والجمعيات النسائية في السنوات الأخيرة التي سبقت وتزامنت مع الثورة، كان خفيفا، مرجعة السبب في ذلك إلى جرائم نظام الأسد بحق النساء، والذي أوجد خوفا متجذرا في أوساط السوريين، فرضته سنوات الحكم القمعي والرهبة من الاعتقال.
وانتقدت "الديري" نظرة المجتمع للمعتقلة قائلة: "غالبية المعتقلات تعرضن لعدم التقبل ولنظرة المجتمع السيئة، فحتى الآن اجتماعات الرابطة تتم بدون تصوير أو إعلام نتيجة لهذه التراكمات الخاطئة، مطالبة بضرورة تصحيح هذه النظرة لأنها تسيء للمعتقلات بشكل كبير، كما حملت في ذات الوقت الإعلام دورا كبيرا في نشر هذه الأفكار من خلال التعاطي الخاطئ مع عمليات الاغتصاب التي تتعرض لها المعتقلة.

وأكدت "الديري" على أهمية إنشاء جمعيات نسائية، خصوصا في ظل ظروف الحرب، مشددة على إن وجود جمعيات للنساء يساهم في إعادة الحياة المدنية، وتنمية المجتمع من خلال الدور الذي تلعبه هذه الجمعيات من توعيه ودورات تدريبية وتأهيل للنساء في كافة المجالات، لكنها لفتت إلى أن الرابطة غير قادرة على تقديم المساعدة لأنها غير مدعومة من أي جهة باستثناء المساعدة المقدمة من منظمة "اليوم التالي" المهتمة بهذه القضية، حيث ساهمت في إنشاء رابطة لـ"معتقلي صيدنايا"، وكذلك "رابطة المعتقلات السوريات" ومقرها تركيا، ورابطة لـ"أمهات الضحايا في الشمال السوري".
وبحسب الديري، يبلغ عدد أعضاء الرابطة، 15 عضواً، موزعات في المنطقة الوسطى من محافظة درعا، مشيرة إلى أن باب الانتساب إلى الرابطة مفتوح ومرحب به.
وأفادت بأن الرابطة تواصلت مع "هيئة العدالة والمساءلة الدولية" معربة عن أملها بمشاركة الجميع في هذه القضية، مؤكدة على أن المعتقلة السورية ستأخذ حقوقها، وتشعر بالرضى تجاه المنظمات الحقوقية الدولية، عندما يحاسب المجرمون الذين انتهكوا كرامتها، وتسببوا لها بالأذى النفسي والجسدي لها، كما أنها تشعر بالرضى تجاه المنظمات الدولية عندما تبدي اهتماما بقضية المعتقلات وتظهرها للرأي العام والعالمي، وتساعدها على استعادة حقوقها ومعاقبة الجناة.
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية