أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"عبد الحميد حمدان".. قصة ضابط خطط للانقلاب على "الأسد"

حمدان - زمان الوصل

 مع وصول "حافظ الأسد" إلى السلطة بداية السبعينات بدأ عملية ممنهجة لإقصاء القيادات المعارضة عن المواقع العسكرية الهامة وزجّ القيادات الموالية ومعظمها على أساس طائفي لقيادة الفرق والألوية العسكرية.

ورداً على هذه السياسة خطط عدد من الضباط ضمن ما سُمي بـ"حركة الضباط الأحرار" المدعومة من العراق للانقلاب على الأسد الأب ذات يوم من عام 1972 وكانت الحركة التي أطلق عليها النظام آنذاك "اليمين المشبوه" تضم العديد من الخلايا وكل خلية منها تضم 5 ضباط، ومن هؤلاء الضباط الملازم أول "عبد الحميد حمدان" الذي اعتقل على خلفية انتمائه لهذه الحركة ليمضي 12 عاماً بين سجون القلعة والمزة بدمشق وسجن حلب المركزي قبل أن يُفرج عنه عام 1984.

 قبل "ساعة الصفر" تمكّنت مخابرات النظام بوشاية من أحد الضباط من القبض على خلايا المجموعة ومنهم "حمدان". وروى قريبه المدرّس "غسان حمدان" لـ"زمان الوصل" أن الضابط المولود في قرية "الزيادية" على الحدود السورية -التركية عام 1947 درس الثانوية الشرعية في حلب، وبعد حصوله على الثانوية تطوع في الكلية الحربية بحمص ليتخرج منها عام 1969، وخدم في قسم الشؤون الفنية ضمن الفرقة الخامسة في السويداء، وتولى إدارة الرحبة فيها. وقال إن تآمر "حافظ الاسد" على "السنة" وتقريبه للضباط العلويين، دفع "حمدان" مع عدد من زملائه الضباط لمحاولة الانقلاب على الأسد، مشيرا إلى أن مخططي الانقلاب ينتسبون إلى مختلف القطعات العسكرية وكافة الاختصاصات كالجوية المشاة والإشارة وغيرها ومن مختلف المحافظات.

كان المخطط الذي لم يكتب له النجاح يقضي بأن تحلق طائرات عسكرية يقودها ضباط أحرار فوق القصر الجمهوري في لحظة محددة وفي حينها تتقدم مدرعات نحو مدينة دمشق ويقوم ضباط الثكنات بالسيطرة على مقرات القيادة واعتقال قادة الوحدات ووضعهم في السجون، ويتم بعدها الإعلان عن إنهاء مرحلة "حافظ الأسد" رسمياً لدى السيطرة عبر الإعلام الرسمي، غير أن وشاية من ضابط موالٍ أفشلت الخطة، وأدت إلى اعتقال العشرات من الضباط وزجهم في سجون النظام وإعدام عدد منهم. وكشف "حمدان" أن مخطط الانقلاب كان ممولاً مادياً من قبل ثري حلبي من مدينة "إعزاز" أُعدم فيما بعد على يد صدام حسين، ولكن مخابرات النظام كانت تراقب كل تحركات المخططين إلى أن حان الوقت المناسب فألقوا القبض على أغلبهم في يوم واحد. قبل تنفيذ الانقلاب بأسبوع طلب الضباط المشاركون فيه إجازات بشكل فردي كي لا يثيرون الانتباه وذلك لتأمين عائلاتهم والعودة من أجل البدء بتنفيذ مخطط الانقلاب ومثل غيره حصل الضابط "عبد الحميد" على إجازة وجاء إلى قريته "الزيادية"، شمال حلب، القريبة من الحدود التركية بواسطة القطار الذي كان يمر بها. وروى محدثنا أن قريبه وما إن خلع بدلته، وإذ بسيارة جيب تقف أمام منزله ونزل منها أربعة أشخاص اتضح أنهم ضباط مخابرات ومعهم مدير منطقة "اعزاز" ورئيس مفرزة المخابرات العسكرية وأدعى الضباط –كما يقول حمدان- أن هناك برقية مستعجلة بضرورة التحاقه بالثكنة لوجود استنفار وأنهم جاؤوا ليأخذوه بسيارتهم لعدم وجود سير آنذاك سوى القطار.

 وأردف "حمدان"، نقلاً عن قريبه بعد الإفراج عنه أن مدير المنطقة الذي كان معه في السيارة أخذ مسدسه ونزع رتبته عن كتفيه ووضع على رأسه كيساً قماشياً أسود فور وصولهم لمفرزة الامن العسكري في "أعزاز"، وأخذوه فيما بعد إلى دمشق وسط حراسة مشددة.

وتابع المصدر أن قريبه الضابط عُرض بعد أيام على محكمة ميدانية برئاسة القاضي العسكري "فايز النوري" و"ناجي جميل" –الذي كان شقيقه للمصادفة ملحقاً ديبلوماسياً في إحدى الدول العربية وتواصل مع بعض ضباط الانقلاب بحجة أنه سيقدم لهم الدعم وهو من ساهم بالإخبار عن بعضهم. بقي الملازم "حمدان" مجهول المصير لسنتين وظل ذووه يبحثون عنه طوال تلك الفترة ودفعوا مبالغ طائلة لمعرفة مصيره إلى أن علموا أنه في سجن القلعة بدمشق وتمكنوا من الحصول على إذن بزيارته، وانتقل بعدها إلى سجن المزة العسكري، ومن هناك إلى سجن حلب المركزي قبل خمس سنوات من الإفراج عنه، ورغم تعرض "حمدان" للتعذيب الشديد طوال فترة اعتقاله رفض الاعتراف على أي شخص في الحركة، علماً أن من بينهم -حسب محدثنا- ضباطاً لازالوا في جيش النظام إلى الآن وبعضهم برتب عالية الآن. حُكم على الضابط الحلبي لمدة 15 عاماً حُذفت منها مدة توقيفه البالغة ثلاث سنوات، وأمضى 8 أشهر من محكوميته في زنزانة منفردة تمكن خلالها من حفظ القرآن غيباً وتعلّم اللغة الإنكليزية في السجن –كما يؤكد محدثنا- مضيفاً أن تهمته الجاهزة كانت "إثارة النعرات الطائفية والعصيان المسلح والانتماء إلى تنظيم يهدف لقلب لنظام الحكم".

 بعد خروجه من السجن بدأت معاناة جديدة في حياة "حمدان"، إذ دأبت مخابرات النظام على زيارته في منزله بالقرية بشكل أسبوعي، وكان مراقباً في كل حركاته وسكناته وعانى أقاربه كثيراً جرّاء حرمانهم من التوظيف أو التطوع ومنعوا كذلك من تسيير المعاملات في دوائر الدولة وفراغ الأراضي أو توزيعها بين الورثة، وكان تقييم أبناء عائلة "حمدان" في ريف حلب "مشكوك بولائهم للوطن" ومن يود التوظف منهم يضطر لدفع مبالغ هائلة لضباط الأمن كي يتغاضوا عن التقييم السياسي، رغم أن الكثير من أبناء العائلة الشبان لم يكونوا قد ولدوا عندما اعتقل قريبهم.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(225)    هل أعجبتك المقالة (232)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي