السبع العجاف في سوريا فرضت تداعيات أشد خطورة من الحرب الدائرة ذاتها، بدأت تعصف بجسد المجتمع، بهدف إضعافه وتفكيكه وبالتالي انهياره وتدميره، منها انتشار ظاهرة الإدمان وتعاطي المخدرات في المناطق المحررة، حيث وصفها البعض بأنها أشد خطورة من جميع الأسلحة التي استخدمها الأسد في حربه على الشعب السوري، فهي سهم "صائب" في كنانته، أشد فتكا من مرتزقة الأسد ذاتهم والميليشيات الطائفية التي تنوي تدمير البشر والحجر.
الناطق باسم جيش الثورة "أبو بكر الحسن" اعتبر أن انتشار المخدرات في حوران يندرج ضمن مخططات نظام الأسد لتدمير جيل الشباب، معتمدا بذلك على ميليشيا حزب الله اللبناني، التي تنقل السموم من لبنان إلى المناطق المحررة.
وقال أبو الحسن لـ"زمان الوصل" إنه "ومن خلال التحقيقات مع التجار المقبوض عليهم، تبين أن خط سير الشحنات من لبنان باتجاه الجنوب السوري مروراً بمناطق سيطرة النظام، ولقد تلقت تسهيلات وتيسير مرور عبر الحواجز الأمنية والعسكرية التابعة للأسد".
وأضاف أنه "تم إلقاء القبض على عدد لا بأس به من المهربين والتجار والمروجين وتم تحويلهم لـ"دار العدل" في حوران وهي الجهة القضائية الوحيدة المخولة في محاكمة وملاحقة هؤلاء التجار"، مشددا على المضي قدما في محاربة هذه الظاهرة، والضرب بيد من حديد ضد من يدخل السموم القاتلة لمجتمعنا.
*دار العدل تقول كلمتها
أعلنت محكمة "دار العدل" في حوران (الجهة القضائية العليا) أن تجارة المخدرات "إفساد في الأرض" مؤكدة عزمها على إنزال أشد العقوبات بحق المتورطين، وسبق لها أن سنّت قانوناً يقضي بإنزال أقصى العقوبات على مروجيها ومهربيها، واعتقال كل من يثبت تورطه ببيع المخدرات في الأراضي المحررة.
رئيس النيابة العامة بمحكمة "دار العدل" في حوران، القاضي "جهاد الخطيب" أفاد بأن المحكمة أتلفت مؤخرا (2،5) مليون حبة مخدرة، بالإضافة إلى (100 كيلو غرام) من مادة "الحشيشة" المخدرة، والتي تم مصادرتها بعد إلقاء القبض على عدة خلايا تروج وتتاجر بهذه المواد، مضيفا أنه تم إلقاء القبض مؤخرا على خلية وبحوزتها (2000) حبة مخدرة، وهم الآن قيد التحقيق والمحاكمة.
وقال "الخطيب" إن "المحكمة تقوم بين الفينة والأخرى بحملات اعتقال لتجار المخدرات بالتعاون مع الفصائل الثورية، ومكاتب أمن الثورة"، مشددا على أن "هذه الحملات كان لها أثر بارز في مكافحة هذه الظاهرة".
وأضاف "الخطيب" أن "دار العدل وإدراكا منها لخطورة هذا الموضوع، فقد تصدت له من خلال حزمة من الإجراءات، منها الوقائية حيث تبين من خلال دراسة قامت بها أن الشريحة المستهدفة لتعاطي المخدرات هي الشريحة العمرية ما بين (15-30 عاما)، أما الشريحة التي تقوم بالترويج، فتتراوح أعمارهم ما بين (25 -30 عاما)، فيما تتراوح أعمار من يقومون بالإتجار ما بين (30-40 عاما).
وتابع رئيس النيابة العامة بدار العدل: "وضعنا خطة طموحة للتوعية والإرشاد وإعادة تأهيل المدمنين، إلا أن ضيق ذات اليد، حال دون تطبيقها بشكل كامل، كما بدأنا بما يمكن تطبيقه من خلال منابر الخطباء في المساجد لبيان خطورة المخدرات وكذلك من خلال الحملات والتعاون مع بعض مؤسسات الدعم النفسي العاملة في الأراضي المحررة، وكذلك من خلال التوجه للموقوفين والسجناء بحصص إرشادية وتوعوية حول خطورة المخدرات وأثارها التدميرية".
وأكد "الخطيب" على أنه "تم إعداد وصياغة قانون خاص بالمخدرات يجرم التعاطي والترويج والإتجار بها وتهريبها، مشددا على أن هذا القانون أخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الطبية، ضمن مواد قانونية دقيقه، فارضا في الوقت ذاته عقوبات صارمة لمن يخالف هذا القانون".
وأوضح "الخطيب" أن "أسباب انتشار هذه الظاهرة (نفسية) للهروب من الواقع، و(اقتصادية)، حيث تشكل تجارة المخدرات مصدرا وفيرا وسريعا للربح لذوي النفوس الضعيفة، و(سياسية) يسعى أصحابها للقضاء على الثورة من خلال تدمير الإنسان ومستقبل الشعوب".
وأشار "الخطيب" بأن "مكافحة المخدرات ليست مسؤولية دار العدل وحدها، بل هي مسؤولية تشاركية وتعاونية للمجتمع بكافة مؤسساته وشرائحه".
الإعلامي "جواد أبو حمزة" أفاد بأن الحملات الهادفة لاقتلاع هذه الظاهرة مستمرة، مثل "لا للمخدرات" و"لا تقتل نفسك.. لا للمخدرات"، مشيرا أن أنها بدأت بعد إلقاء الجيش الحر القبض على عصابة ترويج في قرية معربة (40 كم شرق مدينة درعا)، في شهر تموز يوليو من العام الماضي، وبحوزتهم كمية كبيرة من المخدرات.
وأكد أبو حمزة المشارك في إحدى الحملات، بأن هذه الحرب مستعرة، حيث تتواصل الاشتباكات بين الفصائل الثورية وتجار المخدرات، ففي آب أغسطس الماضي قتل تاجر مخدرات وجرح عنصران من دورية تابعة لدار العدل في اشتباك قرب بلدة "نصيب" الحدودية مع الأردن.
واعتبر أن هذه التوعية بناءة بالنسبة لجيل الشباب، لكنه رأى أنه "لا بديل عن تفعيل دور القضاء أكثر، وزيادة الحزم الأمني ضد مروجي هذه السموم، فالشباب السوري أصبح ضحية لتجار الموت بكافة أشكالهم".
*دار علاج الإدمان
ضمن برنامج مكافحة المخدرات أحدث مركز استشفاء طبي متخصص في معالجة المدمنين، ولقي هذا المركز الذي تم افتتاحه بتاريخ 3-5-2017 في بلدة "الطيبة" (17 كم شرق درعا) ترحيباً كبيراً من السكان، وتمكن المركز من علاج حالات عديدة، ولا تزال الأعداد الوافدة إلى المركز في زيادة مستمرة، بحسب القائمين عليه.
وقال "حمزة الهويدي" أحد المسؤولين: "إن المركز أحدث بهدف معالجة ضحايا الإدمان على الحبوب والمخدرات، وللحد من انتشار المخدرات بين أوساط المجتمع، مضيفا أنه "تتم معاملة ومعاجلة النزلاء وفقا لاتفاق (أطباء عبر القارات)".
وأوضح أن عدد الذين خرجوا من المركز تجاوز 30 شخصا تمت معالجتهم منذ تاريخ الافتتاح، فيما وصل عدد المراجعين بشكل شهري خمسة أشخاص.
وبين "الهويدي" أن المدة التي يقضيها النزيل بالمركز تتراوح بين 27 يوما والشهرين والنصف، مشيرا إلى أن الأسباب التي تؤدي إلى الإدمان متنوعة منها الإصابات الحربية، والضغوط النفسية الناتجة عن الحروب والكوارث، وتوافر المواد المخدرة بكثرة، بواسطة أيدي مجهولة وخبيثة.
وأكد "الهويدي" على أنه وبعد إنشاء المركز ووصول المتعاطين بشكل طوعي بغية العلاج وبعد الحملات الأمنية والعسكرية التي قامت بها بعض الفصائل العسكرية، إضافة لحملات التوعية والندوات التي يقوم بها المركز مع منظمات المجتمع المدني، بدأت هذه الظاهرة بالانحسار.
من جهته، قال رئيس المجلس المحلي في بلدة الطيبة "عبدالله الزعبي" إن "المجلس يقدم للمركز الخدمات وعناصر من الشرطة المجتمعية لتأمين الحراسة"، مشيرا إلى أن المرضى يتوزعون على "مدمنين على المنشطات مثل (الكبتاغون)، ومدمنين على المخدرات مثل (الكوكايين والهيروئين والكودائين)، ومدمنين على المسكنات المركزية مثل (الترامادول والبيتيدين والفنتانيل وغيرها الكثير من المسكنات الفموية الشائعة مثل البيوغابالين).
وأكد "الزعبي" على وجود بعض ضعاف النفوس ممن عادوا للتعاطي بعد أن تخرجوا من المركز، ولكن عددهم قليل بالنسبة للذين تعافوا وعادوا لحياتهم الطبيعية، داعيا كافة المتورطين بهذه الآفة الفتاكة والخطيرة التوجه لهذا المركز لتلقي العلاج اللازم للخلاص من هذه الآفات والأمراض التي تعتبر سببا رئيسيا في دمار المجتمعات.
وشدد الزعبي على أنه يتم استخدام المخدرات كإحدى وسائل الحروب البادرة، لتدمير الطاقات ونشر الجريمة في المجتمع وصولا للمدارس والبيوت، مشيرا إلى أن جميع الجهود المدنية والعسكرية والقضائية تنصب حاليا للقضاء على هذه الظاهرة التي بدأت تتلاشى بفضل العمل المخلص والجاد.
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية