تضم حمص عدداً كبيراً من رجال الأعمال، والذين لازالوا يقفون إلى جانب نظام الأسد ويدعمونه.. ولكن لماذا سوف نقتصر في حديثنا على طريف الأخرس ولبيب الأخوان، مع أنهما ليسا الأهم مالياً واقتصادياً بالمقارنة مع غيرهم من رجال أعمال حمص..؟!
الأهمية هنا لا تنبع من كون رجل الأعمال يملك مالاً كثيراً ومشاريع ومنشآت صناعية، فقد رأينا نماذج في دمشق وحلب، لرجال أعمال كبار وأصحاب أموال طائلة، لم تصمد مشاريعهم ولم تشفع لهم حتى بالحياد.. الأهمية هنا برأينا، تكمن في حمص ذاتها التي تعرضت لأبشع عملية تدمير وتهجير، وعلى أسس طائفية، وكانت تهدف حقيقة إلى إخلاء المدينة من سكانها الأصليين، والتضحية بكل رجالاتها، بما فيهم رجال الأعمال الكبار الذين ينتمون للطائفة السنية، لكن في النهاية صمد هؤلاء واستمروا، ثم عمل النظام فيما بعد على رعايتهم وسمح لهم بتطوير أعمالهم..
هذا ما نرى فيه ميزة لم ينلها سوى طريف الأخرس ولبيب الأخوان من كل رجالات أعمال حمص المنتمين للطائفة السنية، وبالتالي تستحق التوقف عندها ودراستها.
هل يملك طريف الأخرس حصانة..؟
قد يرى البعض، أن طريف الأخرس، يملك حصانة طبيعية، بحكم كونه عم أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد، أما الاستثناء فهو لبيب الأخوان، إلا أننا نعتقد أن النظام لم يكن يتعامل مع طريف الأخرس من هذا المبدأ، بل هو سعى في أكثر من مرة وقبل الثورة إلى التضييق عليه، من أجل أن يفهم أن قرابته من زوجة الرئيس لا يمكن أن تشكل حصانة له.. ورأينا كيف أنه تم محاربة وإغلاق جريدته الخبر، بسبب أنها خرجت عن السياق قليلاً، كما عمد النظام منتصف العام الماضي إلى الحجز على أمواله ضماناً لسداد ديون على المصرف العقاري، غير أن طريف الأخرس قام بتسديد هذه القروض ورفع الحجز.. ويكفي أن نعلم أن طريف الأخرس ومنذ بداية الثورة السورية، انتقل للإقامة في لبنان وجميع أفراد عائلته، وهو ما يعني عدم شعوره بالأمان وبأنه مستهدف..
ومن جهة ثانية، هذا النظام لا يقيم وزناً للقرابات العضوية.. فما بالك بقرابات النسب..؟!، ولعل قصة حافظ أسد مع أخيه رفعت، خير مثال لعقلية هذا النظام وسلوكياته التي لا توفر أي شخص عندما يكون هناك تضارب مصالح..
بين طريف ولبيب
ينتمي لبيب الأخوان، إلى نوعية من رجال الأعمال، الانتهازيين، الذين لا يقيمون وزناً للقضايا الإنسانية ولا الثقافية ولا الفكرية، وهو لا يجيد الحديث سوى بالمال والأرباح والمشاريع.. وعلى عكسه تماماً، ينتمي طريف الأخرس إلى طبقة "الأكابر" في حمص، التي تحاول إلى حد كبير، أن تزاوج بين المال والثقافة، لهذا وجدناه ينشئ جريدة، ويدعم أنشطة ثقافية ويتواجد فيها هو وأبنائه..
هذا التناقض بين الشخصيتين من حيث المضمون، وعاه النظام جيداً وهو يؤسس لمملكته الاقتصادية داخل سوريا، فهو اقترب وقرب إليه رجال الأعمال من الفئة الأولى، التي تحمل مضموناً نفعياً انتهازياً، بينما تعامل بحذر مع الفئة الأخرى، وبالذات التي تحمل مضموناً دينياً من الطائفة السنية، لكن بنفس الوقت لم يكن لديه مشكلة مع نفس الفئة من الطائفة الشيعية.. لهذا وجدناه يعطي الامتيازات لرجل الأعمال الكويتي الشيعي عبد الحميد دشتي، ويمنحه الجنسية السورية، أما وليد الزعبي، فيراقب جميع أنشطته ويضع له العراقيل ويسلط عليه رجالات المخابرات الصغار لابتزازه.
وفي حالة طريف الأخرس، كان النظام يدرك خطورة أن يعمل هذا الرجل أو غيره، بغير التجارة والصناعة، لهذا ومنذ البداية، قام بجمع خيرات البلد كلها، ووزعها كحصص بين رجال الأعمال، في محاولة لربط مصالحهم معه، وكانت حصة أحدهم تزداد أو تنقص، بحسب ولائه، وبحسب ما يقدمه من خدمات لهذا النظام..
طريف الأخرس من النوعية التي حاولت اللعب على الحبلين في هذا المجال، فهو حصل على شبه احتكار في تجارة وتصنيع المواد الغذائية، إذ وصلت قيمة استثماراته وتجارته داخل سوريا إلى أكثر من 200 مليون دولار، وبنفس الوقت حاول أن يقترب من الشارع، عندما أسس جريدة الخبر في نهاية العام 2007، بالتزامن تقريباً مع مشروع رامي مخلوف في جريدة الوطن.
صحيح أن جريدة الخبر كان محرماً عليها العمل في السياسية بعكس جريدة الوطن، لكنها استطاعت وعبر كادر صغير أن تحرك المياه الراكدة، وتظهر كم هي آسنة وعفنة، الأمر الذي لم يتحمله النظام فأوعز لرجال مخابراته بالتضييق عليها وصولاً إلى إغلاقها قبيل انطلاق الثورة السورية.
لبيب الأخوان "الحربوق"
يشبه لبيب الأخوان أغلب رجالات المال التقليديين في سوريا، الذين نشؤوا وسط عائلات تجارية وصناعية، وورثوا عنها كل تقاليدها في الحفاظ على المال وتنميته ومن ثم توريثه للأبناء..
وقد انتبه النظام له في مدينة حمص، ولمس شغفه بجمع المال، واستعداده للذهاب بعيداً في سبيل الحصول على المزيد منه..
وعلى الرغم من أنه لا يمثل النخبة الاقتصادية في مدينة حمص، إلا أنه عهد إليه برئاسة غرفتها الصناعية، التي لا يزال يتولاها حتى اليوم.
وتكمن أهمية لبيب الأخوان بالنسبة للنظام، بأنه يمثل الفئة التي ليس لها اعتراضات على أي شيء ما دامت أرباحها مستمرة، وهو بالإضافة إلى ذلك يمتلك كاريزما شعبية، تشبه إلى حد كبير كاريزما تجار الأسواق التقليدية، وهي في المحصلة ساعدته في الحصول على كل ما يريد، دون أن يشعر النظام بخطورته..
وقد لعب لبيب الأخوان ولا يزال، دوراً كبيراً في دعم النظام، وتجميع رجال أعمال حمص وتجارها وصناعييها والانتقال بهم إلى مدينة حسيا الصناعية، وإقناعهم بأنهم يجب أن لا يتدخلوا بما يجري في مدينتهم، وأن يلتفتوا إلى مصالحهم المادية والاقتصادية.
وفي المقابل، كافأه النظام بالمزيد من التمدد، وسمح لشركته التي تحمل اسم "المتين"، بأن تتوسع في أعمالها، وأن يكون لها حصة مضمونة في الأسواق الداخلية والخارجية.
خاتمة
يعتبر رجال أعمال حمص الكبار، من أصحاب المواقف الأسوأ تجاه الثورة السورية بين رجالات الأعمال المنتمين إلى باقي المدن السورية.. فقد صمتوا تجاه كل الممارسات القمعية والطائفية وعمليات التهجير والتدمير الممنهج التي تعرضت لها مدينتهم من قبل النظام.
وفي الوقت الذي كان يعول فيه أهالي حمص على النخب الاقتصادية من أمثال طريف الأخرس بالذات، بأن يكون لها موقف واضح وتدين القمع الذي تتعرض له مدينتهم، فقد عمد هذا الأخير إلى الانتقال إلى لبنان والصمت، ومن ثم أخذ في الفترات الأخيرة، يحاول التقرب من النظام بشكل أكبر، ودعم بعض القطاعات التي تخدم آلته القمعية، وتحاول تلميع صورته الخارج.
وفي النهاية يمكن تلخيص العرض السابق، بأن صمت طريف الأخرس، جر معه صمت الكثير من النخب الاقتصادية والثقافية في حمص، كما أن استمرار لبيب الأخوان في عمله ودعمه للنظام، جر معه الكثير من أصحاب المصالح الاقتصادية الضيقة، الذين يطمحون بتوسيع مصالحهم.. وكانت النتيجة أن تحولت عاصمة الثورة، إلى المدينة الأكثر دماراً في سوريا.
عن اقتصاد أحد مشاريع زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية