في خيمته المتواضعة داخل مخيم "الزعتري" يمضي اللاجئ السوري "طارق حمدان" جلّ وقته أمام رؤوس أقلام الرصاص الهشة ليبدع بواسطة النحت عليها مجسمات متناهية في الصغر ومليئة بالتفاصيل الدقيقة، باستخدام أدوات صغيرة هي الأخرى كالسكاكين والأسلاك المهملة والقطع الخشبية التي يجدها ملقاة في أنحاء المخيم.
وبدت أمامه طاولة خشبية اصطفت فوقها العديد من منحوتاته التي تمثل شخوصاً وحروفا وأشكالاً صممها بفنية ومهارة عالية ودأب وصبر نادرين.
لم يتعلم "حمدان" المتحدّر من بلدة "مزيريب" في ريف درعا هذه الموهبة والمهارة في معهد أو مدرسة فنية بل تمكّن من تطويرها بشكل ذاتي منذ عام فقط، انطلاقاً من شغفه المبكر بالرسم والنحت.
ويروي "حمدان" حكايته مع هوايته الجديدة، حيث بدأ يتابع عقب لجوئه إلى الأردن مقاطع مصورة لمجسمات متناهية في الصغير منحوتة على أقلام الرصاص على مواقع التواصل الاجتماعي، فاستهوته الفكرة.
ويضيف لـ"زمان الوصل" حول تجربته الجديدة التي بدأها كنوع من التحدي لنفسه، بعد سنوات عديدة قضاها في الرسم بالفحم والألوان والنحت على خامات عدة كالخشب والحجر والصابون.

وتطلب العمل في البداية دقة كبيرة قبل نجاحه في إتمام أولى منحوتاته على قلم الرصاص، خصوصاً أن الأمر تطلب منه -كما يقول- الابتكار في استخدام الأدوات وتطويعها للتعامل مع مادة "الغرافيت الهشة".
ولفت ابن حوران إلى أنه تقصّد في البداية تنفيذ منحوتات صعبة على رؤوس الأقلام التي لا تتعدى مساحتها 2 ملم ودون استخدام عدسة مكبرة، ليقوي نفسه وينمي خبرته، مشيراً إلى أنه لا يعتبر نفسه نحاتاً محترفاً بل مجرد هاو، لأن الفن يحتاج لدراسة علمية، فكان اعتماده على موهبته الفطرية فقط وأراد –كما يقول– أن يجسد معاناة أبناء بلده في ظروف الحرب واللجوء وتوصيل رسالة من خلال هذا الفن.
وأوضح أنه أنجز الكثير من الأعمال ومنها منحوتة تمثل حلقات جنزير موصولة ببعض تعبر عن القيد، وثمة منحوتة لمكعب فارغ بداخله كرة صغيرة، ومنحوتة أخرى تمثل رجلاً يجلس على كرسي ويضع يده على رأسه في حالة شرود وتفكير، وثمة منحوتة لرجل في حالة سجود ومنحوتة للطفل "عمران"، إضافة إلى أعمال تمثل حوريات البحر وأخرى لعامل يجر عربة نقل صغيرة، وكذلك جسّد العديد من الأحرف والأرقام المتراكبة والموصولة ببعض دون أن يضطر لاستخدام مواد لاصقة.
يستخدم "حمدان" في تصميم منحوتاته مشرطاً لقشط رأس القلم وأزاميل صغيرة صممها بنفسه من أسياخ تالفة لدراجة هوائية وأقلام الرصاص فقط، وبعد أن يتخيل شكل المنحوتة التي ينوي تنفيذها وعما تعبر يبدأ الفنان الموهوب بالنحت من أعلى القلم إلى أسفله بكل هدوء، مراعيا ألا تنكسر سنة القلم عند أي حركة خاطئة، وكثيراً ما يحدث ذلك، فيضطر إلى البدء من جديد.

ولفت الفنان إلى أنه أحب هوايته النادرة، لافتاً إلى أن ما شجعه على ممارستها كونها لا تحتاج لإمكانيات مادية كالهوايات الأخرى وإنما الجهد والتركيز الذهني بشكل رئيسي.
ويشكو "حمدان" من عدم وجود تسويق لمنحوتاته أو إقبال على شرائها لكونها عرضة للكسر ولصعوبة رؤيتها بالعين المجردة"، ولذلك يحاول الآن –كما يقول- إيجاد طريقة للحفاظ على هذه المجسمات وعرضها بشكل مرئي كأن توضع في خزائن من البللور المكبر" مثلاً، ولكن هذه الطريقة أو غيرها مكلفة مادياً في ظروف الحياة الصعبة وعدم وجود عمل له داخل المخيم، مضيفا أنه سعي بمجهود شخصي للمشاركة في عدة معارض في مراكز فنية داخل المخيم وخارجه ومنها مركز تابع للمفوضية وآخر لمنظمة "IRD" وكانت بعض منحوتاته النادرة تجد صدى إيجابيا كبيرا بين الزوار.
ويأمل الفنان الدرعاوي أن تتسع مشاركته لتشمل معارض دولية وعربية وليثبت أن السوريين لازالوا قادرين على الإبداع بكافة أشكاله رغم الحرب والدمار والتهجير.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية