يجمع اقتصاديون سوريون، على أن الحل السياسي في سوريا، هو المقياس الوحيد الذي يمكن خلاله التنبؤ بالواقع الاقتصادي، إذ لا استثمار برأيهم ولا سياحة وإنتاج وتصدير، إن استمرت الحرب المندلعة منذ ربيع 2011.
بالمقابل، تذهب التوقعات لتنمية وترميم سريعين لجلّ ما هدمته الحرب، إذا ما حلّ السلام، لأن معظم دول المنطقة وربما العالم، تترقب الحل بسوريا، لتدخل بإعادة الإعمار وربما اقتسام الحصص، بعد أن فاقت خسائر الحرب عن 275 مليار دولار، والتوقعات بأن لا تقل أكلاف الإعمار عن 400 مليار.
ويرى "عبد الناصر الجاسم"، أستاذ الاقتصاد بجامعة "ماردين" التركية، أنه من الصعب فصل السياسة عن الاقتصاد في سوريا، بل وكلما تسارعت وتيرة الحل السياسي، ستشهد سوريا حلولاً وتنمية، وهذا مرهون بالقرار الدولي، وما بدأ يشاع عن حلول قريبة، إن بعد مؤتمر "سوتشي" أو "جينيف".
ويؤكد الأكاديمي السوري، أن بنية وشكل الاقتصاد في سوريا، بعد الحل المتوقع خلال عام 2018، سيختلفان بالمطلق عمّا كانا عليه عام 2011، لأن دخول الشركات الدولية وربما التنافس بين الأطراف المتصارعة على سوريا "الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا" سيخلق نمطاً اقتصادياً مختلطاً، يتعلق بالمنطقة والمسيطر عليها، لكنه بشكل عام، يختلف عن الشكل الاقتصادي القديم الذي كان القطاع الحكومي، يحتكر القطاعات الأكثر ربحية ويستأثر بمعظم الاستثمارات والمشروعات الإنتاجية، بل ويتحكم بالاستثمار ويبتز المستثمرين.
ويضيف الجاسم لـ"زمان الوصل" بأن معظم المؤشرات اليوم، تدلل على بعض التعافي، رغم أن الحرب مازالت مستعرة، فالليرة السورية تحسنت بشكل كبير وعلى عكس التوقعات خلال عام 2017، فحتى حكومة الأسد لم تتوقع هذا التحسن، بدليل احتسبت دولار موازنة 2018 بسعر 500 ليرة، لكن الدولار اليوم بنحو 430 ليرة للدولار.
ويشير الاقتصادي السوري إلى بعض المؤشرات التي رأى خلالها آمال بالعام الجديد، فالقطاع الزراعي تحسن بدليل زيادة الإنتاج، بل والتصدير، وبدأت بعض أرقام المحاصيل تقترب إلى ما قبل الأزمة، فهذا العام زاد إنتاج الزيتون عن 850 ألف طن والحمضيات عن 950 ألف طن، كما أن القمح ورغم أن مناطق الإنتاج معظمها تشهد احتراباً، بلغ الإنتاج 1.7 مليون طن، بصرف النظر عن كميات استلام النظام أو المعارضة.
والأهم برأي الدكتور "الجاسم"، عودة الإنتاج، ولو تدريجياً للقطاع الصناعي، لأنه يولّد الصادرات والقطع الأجنبي ويسد حاجة الأسواق التي تعاني منذ سنوات من قلة السلع وارتفاع الأسعار، ويدلل بذلك على معرض الإنتاج الصناعي السوري الذي أختتم أخيراً ببغداد، وقبله معرض دمشق الدولي، الذي شهد عروضاً وعقود تصدير، وإن محدودة.
ويبيّن أن عام 2017 شهد عودة الكثير من المنشآت التابعة للقطاع الخاص لإنتاج، بعد أن شهد عام 2015 شهد شلل أكثر من 80% من القطاع.
والحال برأي الجاسم، ينسحب على القطاع الحكومي، الذي بدأ بالإنتاج، بعد خروج 46 شركة حكومية كبيرة عن الإنتاج، خلال الحرب.
ويعاني الاقتصاد السوري من خسائر توصف بالكارثية، نتيجة الحرب التي أدت لتراجع الإيرادات العامة بنحو 63 % بالمقارنة بين موازنة عام 2010 وعام 2018 والناتج المحلي الاجمالي من 60 مليار دولار عام 2010 إلى نحو 30 مليار عام 2017، وزادت الديون الخارجية عن 11 مليار دولار، ليتم تسجيل نسب هي الأدنى عالمياً، إن لجهة التضخم النقدي بعد تراجع سعر الليرة من 50 مقابل الدولار عام 2011 لنحو 430 ليرة للدولار اليوم، أو نسب الفقر التي تقدرها منظمات دولية بأكثر من 80% والبطالة 78% ويزداد العجز في الحساب الجاري لنحو 28% من إجمالي الناتج المحلي للعام الماضي، ليتراجع الاحتياطي النقدي، من 21 مليار دولار إلى 750 مليون دولار العام الفائت، ويرتفع بالمقابل الدين العام الاجمالي من 30% عام 2010 إلى أكثر من 150% العام الماضي. وهو ما يدفع اقتصاديون سوريون للتريث بالأمل، خلال عام 2018 وبخاصة إن أتت الحلول السياسية قسرية أو ترقيعية.
ويقول الاقتصادي السوري، "حسين جميل" لـ"زمان الوصل" "رغم أن الآمال كبيرة بعام 2018 ليشهد بداية لعودة الإعمار والتنمية، إلا أن التوقعات مشروطة بعدم بقاء بشار الأسد بالسلطة وإيجاد توافق أمريكي روسي على الأقل، لأن بقاء الأسد بالسلطة سيؤدي لإحجام الكثير من الدول، وبمقدمتها دول الخليج العربي، عن الدخول بإعادة الإعمار أو حتى تقديم المنح والمساعدات، كما أن استمرار النزاع الأمريكي الروسي على الأرض السورية، وبخاصة بعد سيطرة كل منهما على أراض ومصادر طاقة وثروات زراعية ومائية، يجعل من التنمية أمراً مستبعداً".
ويرى "جميل" من اسطنبول، أن التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري، كثيرة ومعقدة، منها تراجع الإيرادات العامة بعد تهديم قطاع النفط وتراجع الضرائب وشلل القطاع الحكومي. وأيضاً، إعادة الإعمار وما يمكن أن ينشأ عنها من ارتهان للخارج وديون وفوائد، ومنها بدء دوران خطوط الإنتاج، لتعود السلع السورية للأسواق وللتصدير، لكن التحدي الأهم برأيه، يكمن بالكادر البشري، بعد هجرة أكثر من 7 ملايين سوري خلال الحرب، جلهم من الشباب وأصحاب الخبرات والرساميل.
وحول الإيجابيات التي يمكن أن تبعث على الأمل، يقول الاقتصادي السوري، لا أمل باستمرار الحرب ولا تنمية ببقاء نظام الأسد، إلا أنه وإن توفر القرار الدولي بالحل، فيمكن أن يكون عام 2018 بداية لعودة المهجرين وإعادة الإعمار، لافتاً إلى أن في سوريا، من الثروات الباطنية والإنتاج الزراعي والصناعي، ما يجعلها تتعافى تدريجياً، ولكن لن يعود الاقتصاد السوري إلى ما كان عليه، من ناتج ونسبة نمو واستقرار وجذب استثمار، ربما قبل 20 سنة.
ويربط مراقبون مجريات الاقتصاد السوري خلال عام 2018، فضلاً عن الحل السياسي، بمدى الإقبال على إعادة الإعمار والاستثمار، معتبرين أن الإصلاح الاقتصادي وإصدار قوانين استثمار، ضرورة لا بد أن تسبق دخول أي شركة أو منظمة إلى سوريا.
وينبه المراقبون من تفرد روسيا وإيران بالاقتصاد السوري، بعد أن وقع نظام الأسد، مع شركائه بالحرب، في طهران وموسكو، اتفاقيات ومنحهم عقودا حصرية، بقطاعات النفط والغاز والمشروعات ذات العائدية والجذب، كالخليوي والكهرباء والمياه، لأن عدم فتح تلك القطاعات للمنافسة، يمكن أن يؤثر على إقبال الشركات والمستثمرين للدخول في إعادة إعمار سوريا.
ويذكر أن سوريا تشهر ورقة إعادة الإعمار، لتكون بداية التنمية بسوريا وبطاقة نجاة لنظام الأسد، كما يرى مراقبون، حيث استضافت دمشق في أيلول سبتمبر الفائت، معرض إعادة إعمار سوريا، بمشاركة 164 شركة عربية وأجنبية متخصصة بالبناء ومعداته والبيئة والطاقة والصحة والتعليم والسياحة والزراعة والاتصالات وتقنيات وتكنولوجيا المياه والأمان والمعلوماتية وشركات التأمين والخدمات البنكية.
وكانت مصادر مطّلعة من العاصمة السورية، كشفت سابقاً لـ"زمان الوصل" عن بدء وزارة الاقتصاد بحكومة بشار الأسد، في إصدار تراخيص لشركات لبنانية يشارك فيها مسؤولون سوريون متنفّذون، بهدف تهيئتها للمساهمة في إعادة الإعمار، ولفتت المصادر إلى أن 10 شركات عقارية برأسمال لبناني سوري مشترك، تم تسجيلها في لبنان خلال عام 2017.
عدنان عبدالرزاق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية