أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريون بانتظار لمّ الشمل الأكبر.. هل يصلح الزمن ما أفسدته الحرب؟

من شوارع الرقة - جيتي

المراقب لمواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ حجم الهوة العميقة بين شرائح المجتمع السوري منذ عام 2011، الانكسار الكبير هذا لم ينحصر في حدود العالم الافتراضي فقط، بل قسم الساحة السورية بين موالٍ لنظام الأسد ومعارض في صفوف الثورة، وانتشرت هذه الظاهرة كالنار بالهشيم متجاوزة ما يسمى بـ(الطوائف والمناطقية) وخالقة صراعات حتى داخل أفراد البيت الواحد.

المسألة استفحلت مع تخطي عدد الضحايا نصف مليون سوري، وأكثر من 12 مليون مهجر ونازح ومئات آلاف المعتقلين، وهنا يطرح الموضوع المهم وهو إمكانية رأب الصدع وخلق مصالحة اجتماعية، ليست كـ"مصالحات" النظام التي تفرض تحت وطأة السلاح، ولكن صفح وعفو الأخوة الذي يبدأ بمصافحة القلوب قبل الأيادي.

الصحفي "محمد العويد" قال إن "الحرب بحد ذاتها واحدة من أبرز العوامل في تجذير الانقسام السوري -السوري، لا سيما ما رافقها من دعاية إعلامية ما انفكت تتحدث عن أتون حرب أهلية في سوريا وتغذيتها لطرف دون آخر، متناسية ومتجاهلة القيمة الأساسية والجوهرية من ثورة السوريين المطالبة بالحرية والدولة المدنية والحقوق للجميع".

ويرى "العويد" أن "إيقاف الحرب ووضع لبنة سلام يكون بداية لعودة النسيج السوري كما سابق عهده، برغم ما في ذلك من منغصات ومصاعب وحقوق واجبة، موضحا أن "الأصل في تعزيز أي سلم أهلي هو محاسبة من أخلوا به وفجروه، وهذا بالطبع سيمتد إلى الأيدي التي قتلت ودمرت وشجعت سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية هذه حقوق لا تموت، وبتثبيتها يتحقق السلم الأهلي ويستقر".

واعتبر "العويد" أن المجتمع السوري قادر على تجاوز جراحه المتقيحة "ليس ذلك بحالة مستعصية، فقبله مجتمعات أخرى تسامت وتصالحت كالحرب الأهلية اللبنانية، وبيروت الشرقية والغربية، وألمانيا الغربية والشرقية، وبحور الدماء التي سالت بين الأوروبيين ذاتهم. فلا يمكن لأهل درعا مثلا العيش لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا سياسيا بمعزل عن إطارهم البشري سواء العاصمة دمشق أو محيطهم السويداء والقنيطرة وحتى داخل العائلة الواحدة أو المدنية الواحدة فرغم عمق الجرح واستفحاله. حتى لدى الصامتين تشعر أن ثمة توافقا على المسؤولية عما حدث وهذا بحد ذاته مقدمة للتسامح والعيش المشترك".

الصحفي "عباس الديري" اعتبر أن "سقوط أول ضحية في الثورة كان يجب أن يوحد كامل الشعب ضد مرتكب هذه الجريمة، ولكن اعتبارات وأهدافا شخصية جعلت قسما من الشعب يصطف بجانب القاتل ويدعمه بالغالي والرخيص".

وقال "الديري": "إن انقسام الشعب السوري ناتج عن تفضيل مجموعة للنفوذ والقوة والسلطة، على الحرية والكرامة والإنسانية، مؤكدا على أن الواقع يقول إن "سوريا اليوم منقسمة إلى شعب يحارب لينال الحرية، وشعب يحارب ليبقي على رئيس حكم هو وأبوه بالدم والحديد والنار".

وتوقع "الديري" أن تستمر الحرب لسنين عديدة، ولكنه شدد على أن السوريين سيخرجون منها أقوى، وسيكون يوم توحدهم هو يوم خلاصهم من المجرم بشار الأسد وزمرته الحاكمة".

وأضاف "للسوريين عادات وتقاليد يتباهون بها أمام كل الإنسانية، فهم أهل التعايش والتسامح والقيم الحميدة، وحياتهم كلوحة فسيفسائية جميلة، ستعود براقة تسر الناظرين بعد سقوط من شوهها، وعمل على بث الفتن الطائفية والمناطقية بين الأخوة من أبناء الوطن".

*العفو عند المقدرة
من شيم العرب قديما "العفو عند المقدرة" إذا كان هذا الصفح سبيلا لحقن الدماء، لكن في الحالة السورية فإن حالة التصدع والتشظي كانت سببها في بعض الحالات التشفي بالدماء المراقة، والصمت عن ما يحدث من جرائم في حالات أخرى، فالبعض يقول إن "ظلم ذوي القربى أشد مضاضةً" على المرء من وقع الحسام المهندِ"، فهل هذه الحالة طارئة؟ والأيام كفيلة بلملمة الجراح واندمالها؟

الخبير النفسي والتربوي "محمد الجهماني" لم يخفِ الانعكاسات السلبية الناتجة عن هذا الأمر على المجتمع ومستقبله، متوقعا تطورها لتصبح صدامات وصراعات دموية إن لم يسارع العقلاء لمعالجة المشكلة، مؤكدا قدرة المجتمع السوري في التعالي عن كل الجراحات "بشرط وجود محاكم عادلة تحاسب المجرمين وتنصف المظلومين".

وحذر الجهماني من "تكرار التجربة اللبنانية بعد مؤتمر الطائف وإطلاق شعار (لا غالب ولا مغلوب) فالمحاكم هي البلسم الشافي والحل المثالي الذي يرضي الجميع ويلتقي عنده كل الشعب"، مشددا على "ضرورة نشر مبدأ التعايش والمجتمع الواحد من الآن ومن هذه الساعة. فمجتمعنا قوي ومتماسك، وهو محب ومتسامح وودود لذلك سيعلو فوق ما حصل".

الدكتور "أحمد الحمادي" الباحث في الصراعات والعلوم السياسية، حمل "المسؤولية كاملة لنظام الأسد، الذي عمل بكل خبثه اﻷمني ومكائده النذلة، على اللعب على العامل المذهبي والإقليمي والعرقي وحتى المناطقي والعشائري، وإثارة هذه النزعات التفتيتية للحاضنة الشعبية للثورة، لضمان استمرارية النظام، ما أدى لإحداث شرخ عميق في بنية المجتمع السوري، بعد أن صور نفسه على أنه حامي الأقليات، ولكن تصرفه مكشوف أمام الشعب السوري، فغالبية أبناء المجتمع يتطلعون لسوريا الجديدة التي يعيش فيها الجميع بحرية وسلام".

وعبر "الحمادي" عن تفاؤله في تجاوز هذه المشكلة بالقول: "هذا الجرح العميق الذي حل على المجتمع سيزول، وسيبرأ عندما تزول أسبابه و بزوال الطغمة الحاكمة القاتلة المجرمة، والوسيلة لتحقيق عودة وحدة الشعب السوري موحدا هي إقامة الدولة العصرية الديمقراطية التي يحقق فيها الجميع أمنياتهم وتطلعاتهم وأهدافهم دولة القانون وفق عقد اجتماعي يتفق عليه الجميع ويتشاركون عبر ممثليهم في وضعه دون هضم حق أي مكون أو تهميش وجوده، وبذلك تكون احتمالية عودة المجتمع السوري موحدا سليما معافى مما حل عليه من كوارث وأهوال ممكنة التحقيق، بل هذا هو المطلوب لعلاج وضع سوريا مما عانت وتعاني منه".

محمد الحمادي - زمان الوصل
(97)    هل أعجبتك المقالة (101)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي