أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أفق العملية التركية في "عفرين".. عبد السلام حاج بكري*

الكاتب: تعمل تركيا اليوم على اقتلاع حلم الاستقلال الكردي بأذهان الانفصاليين

بعد أيام من التهيئة الإعلامية أطلقت تركيا عمليتها العسكرية في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية، ويأتي ذلك عقب انسحاب هيئة تحرير الشام من مساحات واسعة من ريفي إدلب وحلب، وكأن مقايضات تم الاتفاق عليها تحت الطاولة بين روسيا وتركيا، دون اعتراض أمريكي.

منذ الأيام الأولى للثورة السورية وضعت تركيا الكثير من الخطوط الحمر في وجه نظام الأسد الذي لم يأبه بها وداسها جميعا من حماة إلى حلب إلى الرقة وغيرها، ولم يبدُ "أردوغان" محرجا من عدم قدرته على ردع الأسد من تجاوزها، ليتضح رويدا رويدا أن ما يريده من سوريا لا يتعدى التصدي لمحاولة إقامة كيان كردي على حدود بلده الجنوبية.

ولأجل ذلك أقامت تركيا منطقة درع الفرات، لتفصل غربي الفرات عن شرقه، وبالتالي عفرين عن عين العرب وغيرها، وتنهي بذلك الحلم الكردي الذي لم يكن يقتصر على الوصول إلى عفرين بل الاختراق حتى البحر.

تعمل تركيا اليوم على اقتلاع حلم الاستقلال الكردي بأذهان الانفصاليين، أقلّه غرب الفرات، ولكنها لأجل ذلك ضغطت على جبهة النصرة لتسليم مناطق للنظام وروسيا، مقابل غض الطرف عن اقتحام عفرين، ويجري الحديث عن مقايضات أخرى قادمة بين جبلي الأكراد والتركمان من جهة ومواقع إضافية في ريفي إدلب وحلب ومنها مطار أبو الضهور الذي يتهيأ النظام لدخوله وقد فرّغته جبهة النصرة من الرجال والعتاد تمهيدا لذلك.

اللعب التركي بالجغرافيا والديموغرافيا السورية بات واضحا، يغيب عنه الاكتراث برغبة السوريين وآمالهم، بعدما تنازلت عن الكثير مقابل وقف التمدد الكردي غرب الفرات، وهي تريد بذلك إنهاء مرحلة الكوابيس التي مرت بها بدءا من إسقاطها الطائرة الروسية وصولا للضغط الأمريكي والغربي السياسي والاقتصادي عليها بغية قصقصة الأجنحة الأردوغانية، ولا تخرج من إطارها المحاولة الانقلابية على السلطان وحزبه.

وكما سمحت روسيا وإيران وهما دولتان ضامنتان للهدن للنظام بخرقها وشاركته في ذلك، ها هي تركيا تفعل الشيء ذاته وتشترك مع فصائل موالية لها بعملية عفرين، ويقتصر تسديد الفواتير على السورين عربا وكردا، لا بل وإن ذلك سيزيد الشرخ بين المكونين الأكبر.

أما وأن عملية عفرين بدأت ولا مفرّ منها، سيكون عملا جيدا لو تذكرت تركيا أن الكرد في عفرين ليسوا جميعا إرهابيين ينتسبون لحزب العمال وجناحه العسكري، حسب تصنيفها، بل أغلبهم مواطنون بسطاء يشتركون مع السوريين بالألم والمعاناة، ولعل مشاركة فصائل من الجيش الحر في العملية يدفع باتجاه حماية المدنيين ويقصر المعارك على محاربة عناصر pyd أو فتح الطريق أمام انسحابها.

ويغلب الظن أن الأهداف التركية في سورية تنتهي بالسيطرة على عفرين، وأنها ستترك كل ما عدا ذلك للتجاذبات الروسية الإيرانية الأمريكية، باستثناء تعديلات محدودة على خارطة النفوذ في الساحل عبر المقايضة عليها في إدلب وحلب.

تتفرج الولايات المتحدة على المشهد دون تدخل ضاغط، ولعل مردّ ذلك لاكتفائها بمنح الأكراد الذين تدعمهم سلطة محلية في الرقة وشرق الفرات، ومما يدلل على ذلك إعلانها عن دعم تشكيل عسكري جديد قوامه 30 ألف مقاتل يتولى حماية المنطقة.

أما وقد تقاسم الأتراك والروس والإيرانيون والأمريكان مناطق النفوذ، يبرز السؤال الأكثر إيلاما عن المنطقة التي يعود النفوذ فيها للأحرار السوريين المعتدلين، ولكن يبدو أن غدر العالم بهم أبعدهم عن المشهد ودفع المنظمات الإرهابية وتلك التابعة بشكل مباشر أو عبر الإيعاز لدول إقليمية للصدارة بغية المراهنة عليها في التقدم والانسحاب وترتيب الخارطة لتحقيق المصالح على الأرض السورية.

*من كتاب "زمان الوصل"
(125)    هل أعجبتك المقالة (119)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي