احتفلت محافظة درعا في عام 2009 بخلوّها من الأمية للفئات العمرية بين الأعوام (15-45)، ولكن وبعد انطلاق الثورة السورية، أصبحت المدارس التي خُط على جدرانها أول شعارات الحرية، خطرا يهدد حياة الأطفال، لأنها تحولت إلى هدف لآلة النظام العسكرية، فدمر جزءا كبيرا منها وتحول الآخر لمراكز اعتقال وتعذيب، ما اضطر الأهالي لمنع أولادهم من الذهاب إليها خوفا عليهم، الأمر الذي أدى إلى تراجع التعليم بشكل كبير وخلق جيلٍ من الأميين.
فبين المدارس المندثرة بفعل البراميل المتفجرة والمناهج المختلفة التي وضعت على عجل، اضمحلت أحلام الطلاب بإكمال مسيرتهم التعليمية، لكن من بقي منهم مكافحا في طريق التعلم شبه بـ"القابض على الجمر"، وزاد الأمر تعقيدا وجود مناهج مختلفة تعطى للطلاب في هذه المحافظة، الأول صادر الحكومة السورية المؤقتة، والثاني صادر عن نظام الأسد، والثالث صادر عن تنظيم "الدولة" في "حوض اليرموك".
المدرس "بشير حمد" قال لـ"زمان الوصل": "أحزن كثيرا على حال التعليم في درعا، فالطلاب في المناطق المحررة يتلقون علمهم في الخيام أو الكهوف أو أعماق الوديان، خوفا من القصف والبراميل، أما أقرانهم في مناطق التنظيم، فهم مجبرون على الذهاب لمراكز التنظيم التي تنشر التطرف والإرهاب، وفي مناطق سيطرة الأسد، كل المناهج تمجد (القائد) وتثني على انتصاراته على الشعب الأعزل".
وأضاف "حمد": "من المفروض أن مدارس أطفالنا منهل للحرية والعدالة، لا أن تكون شاهدا على الموت والدماء والأشلاء المتناثرة في كل مكان، وكل هذا بفضل العالم المتخاذل والصامت عن جرائم الحرب المرتكبة ضد السوريين".
من جهتها أكدت الأخصائية النفسية ومشرفة الدعم النفسي بمؤسسة "بذرة" "ناريمان الجهماني"، أن وجود أنظمة ومناهج تعليمية مختلفة في منطقة واحدة له "أثر سلبي وكارثي على المجتمع عموما والأطفال خصوصا، لأنه يسبب انتشار الفوضى التعليمية والتشتت الذهني وفقدان الثقة بالتعليم وانتشار التعصب في المجتمع".
وحذرت "الجهماني" من أن هذا الأمر سيؤدي إلى انتشار التسرب المدرسي، وهو ما يقود إلى الجريمة، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الحرب أثرت بشكل كبير على نفس الطفل، وهو ما فرض أمراضا عديدة منها (العزلة والتوحد والعدوانية والإسقاط واضطرابات ما بعد الصدمة).
مدير التربية في الحكومة السورية المؤقتة "محمد الوادي" لم يخفِ المصاعب التي تواجه عمل المديرية في ظل ظروف الحرب التي يشنها نظام الأسد على الشعب السوري، وهو ما انعكس سلبا على مخرجات التعليم بشكل عام.
وفي تصريح خاص لـ"زمان الوصل" قال "الوادي": "في المناطق المحررة يتم تدريس نفس المناهج في مدارس النظام، مع فارق بسيط وهو حذف الفقرات والدروس التي تمجد الحزب والرئيس، إضافة إلى استبدال التواريخ المزيفة وغير الحقيقية المدرجة في كتب النظام بتواريخ حقيقية".
وأضاف "الوادي": "إن المدارس الخاضعة لسيطرة التنظيم مغلقة ولا يوجد أي تعليم باستثناء (العلوم الشرعية) المفروضة على الأطفال والكبار على حد سواء".
وأكد "الوادي" بأنه سيتم اعتماد منهاج موحد خالٍ من التزييف والتزوير، تعتمد فيه أساليب التعليم الحديثة، بما يتوافق مع التطور المعرفي وذلك في حال زوال السبب الذي يقف حائلا لتحقيق ذلك، ألا وهو سقوط النظام بكافة أشكاله ورموزه.
وأشار "الوادي" إلى أن الوضع الحالي الذي تمر به المحافظة، فرض تفاوتا كبيرا في عدد المدارس وأعداد الطلاب، ففي درعا وقراها، إذ يوجد للنظام (400 مدرسة يتلقى فيها التعليم 42 ألف طالب 38 ألف طالبة) أما مدارس الحكومة المؤقتة فهي (70 مدرسة، فيها 4293 طالبا، و4131 طالبة) فيما وصل عدد الطلاب الذين يتلقون التعليم في مدرسة تنظيم "الدولة" (175 طالبا، و125 طالبة).
وأوضح "الوادي" أن هناك تخاذلا كبيرا من الدول "الصديقة للشعب السوري" في مسألة الاعتراف بالشهادات الصادرة عن الحكومة المؤقتة، قال "بذلت الحكومة جهودا كبيرة من أجل الاعتراف بالشهادات الصادرة عنها، حيث بدأت منذ عام 2014 بمراسلة العديد من الدول، وتوجت جهودها باعتراف بعض الدول بالشهادات الصادرة عنها، ومنها (تركيا –ألمانيا –فرنسا –ماليزيا)"، مؤكدا أن الجهود مستمرة من أجل الحصول على الاعتراف الدولي الكامل.
وختم "الوادي" بالتطرق للصعوبات التي تعاني منها المدارس التابعة للحكومة السورية المؤقتة، منها قلة الدعم المادي المقدم لها، والنقص الكبير في الكتب والقرطاسية، وانعدام وسائل التدفئة، وحاجة المدارس إلى الترميم، إضافة إلى أن المدرسين لم يتلقوا أي دعم أو أجر يكفل لهم حياة كريمة، فهم يعملون بشكل تطوعي.
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية