استنكر جزائريون وسوريون من مختلف الشرائح "العنصرية" التي تفوح من عنوان دراسة أكاديمية قدمت في إحدى جامعات الجزائر من أجل نيل درجة الماجستير، وذلك بعد انتشار نسخة من هذه الدراسة على مواقع التواصل.
وجاءت الدراسة بعنوان "تسول المرأة اللاجئة السوریة في المجتمع الجزائري"، وهو ما اعُتبر بمثابة سقوط واضح لرسالة علمية في مستنقع العنصرية المباشرة، التي كان يمكن تجنبها بقليل من التعب على صياغة عنوان بديل أكثر منهجية وإحاطة بـ"الظاهرة"، هذا إن تم التسليم جدلا بأن الأمر وصل إلى مرحلة الظاهرة، حسب قول المنتقدين للرسالة.
وفيما ركز الكثيرون على عنوان الدراسة، ملقين باللوم على الأساتذة الجامعيين الذين رضوا بتمريره ومناقشته، عادت "زمان الوصل" إلى مضمون الرسالة المقدمة من قبل طالبتين في جامعة "الجیلالي بونعامة" في مدينة "خميس مليانة"، جنوب غرب الجزائر العاصمة بنحو 120 كم.
أول ما يلفت في الدراسة، هو اسم الدكتورة المشرفة عليها "فاطمة الزهراء نسيسة" التي نالت درجة الدكتوراة منذ سنوات قليلة (سنة 2013)، وهو ما قد يعطي تفسيرا لتواضع الرسالة ليس في عنوانها فقط، وإنما في مضمونها، المشبع بالأخطاء البحثية الشنيعة والأغلاط الطباعية والنحوية والإملائية، التي لا يجوز قبولها من طالب مبتدئ في الجامعة، فضلا عن أن يكون مؤهلا لحمل درجة الماجستير.
ولكثرة الأخطاء التي شابت الرسالة وتشعبها وتوضعها في كل صفحة تقريبا من صفحات الدراسة الـ118، فقد اختارت "زمان الوصل" المرور على بعض تلك الثغرات التي يكفي جزء منها لإسقاط أي دراسة أكاديمية ونزع صفة البحث العلمي عنها.

*كشف مختصر
في الصفحة 18 تقر الطالبتان (الباحثتان) بأن الدراسة استغرقت منهما 7 أشهر، منها شهران للتفكير والإعداد واتخاذ القرار بشأنها، وشهر واحد فقط لجمع المعلومات "بالرّغم من ضیق الوقت وصعوبة الوصول للفئة المعنیة بالدراسة"!، وفق تعبيرهما، أي إن صعوبة الوصول للفئة المعنية الذي كان يحتم عليهما بذل مزيد من الجهد والوقت صار في عرفهما مدعاة لتقليص الوقت المخصص لبحث اجتماعي ميداني، يفترض أن يبني معظم استنتاجاته ويبرهن على مختلف فرضياته عبر إجراء المسح الميداني وإجراء المقابلات وتوزيع الاستبانات، لكنه اكتفى بـ8 نماذج فقط، مع قائمة أسئلة قصيرة وفضفاضة، رغم أن البحث يدعي أن "تسول المرأة اللاجئة السورية" بات "ظاهرة" في الجزائر، ورغم أن الدراسة اختار أهم ولايتين في البلاد مسرحا لها، "ولاية الجزائر العاصمة"، أعلى ولايات البلاد كثافة والتي ينوف عدد سكانها على 3.5 مليون شخص، و"ولاية عين الدفلى" التي يناهز سكانها حاجز 900 ألف.
في الصفحة 19، وتحت عنوان المجال البشري، تقر الدارستان أنهما اكتفتا "بعدد محدد من أفراد المجتمع الأصلي مع مراعاة الوقت المتاح والإمكانیات المتوفرة"، ومع ذلك فإن هذا لم يمنعهما من القول بضرورة "تعمیم نتائج الدراسة المجرات (المجراة) للمجموعة على المجتمع بأكمله".
يغلب على الدراسة طابع الحشو والتكرار غير المفيد ولا اللازم، إلى درجة أن حذف هذا الحشو يمكن أن يحيل رسالة الماجستير إلى مجرد "حلقة بحث" عادية، هذا من حيث عدد الأوراق فقط، وكمثال بسيط على هذا الحشو، نأخذ هذه الفقرة المكونة من نحو 3 أسطر والتي كان من الممكن أن تختصر بجملة واحدة.. تقول الفقرة: "كلّ دراسة علمیة تعتمد على منهج معیّن ولكن یختلف من دراسة لأخرى، وذلك حسب كلّ وظیفة كلّ منهج والأهداف التي یرمي إليها. لهذا یعتمد كل بحث على منهج معین لأجل فهم وتحلیل المشكل المطروح فيه".
وقعت الدراسة في أغلاط نحوية وإملائية وطباعية كثيرة وشنيعة، وهذر ولغو، وتلبست بالتضارب في بعض مواضعها، والقص واللصق البيّن في مواضع أخرى، ولكن كل هذه الأغلاط تهون أمام السقطات في الجانب المنهجي والبحثي، والتي جعلت ما قدمته الطالبتان أبعد ما يكون عن سمة العمل الأكاديمي، وسنكتفي لإيضاح وجهة نظرنا بعرض جزء مما احتوته الصفحة 58، كونه يلخص كثيرا من عيوب الرسالة وكبواتها القاتلة.

*سقطات بالجملة
تحت عنوان "أسباب تسول المرأة اللاجئة"، تقول الطالبتان (الباحثتان!): "أصبحت الجزائر في الآونة الأخیرة تستقطب الكثیر من النّازحین ورعایا الحروب بفعل ما یسمّى بالربیع العربي، وعلى رأسهم الجالیة السّویة التي وجدت الجزائر الملجأ الوحید، نضرا للسند المقدم لهم سواء من الدولة أو الشعب البسيط، ورغم هذا لم تكتفي هذه الجالیة بما قدم لهم من إعانات أو مساعدات بل تعدى الأمر بهم إلى ممارسة بعض السّلوكیات التي من شأنها أن تخلّ بتوازن نظام المجتمع الموجودین فيه، كالتسوّل مثلا الذي أصبح لديهم ضرورة لضمان استمرارهم خاصّة النساء والأطفال".
وبغض النظر عن الأخطاء النحوية والإملائية، فإن هذه الفقرة وحدها ملخصا عن كل الدراسة وتوجهها وغايتها، ومدى بعدها عن أدنى متطلبات البحث العلمي، حتى بدت وكأنها كتبت بيد عنصر مخابرات غر، أو عضو حزب اعتاد لوك الكلمات والخطابات دون أن يلقي لمعناها بالاً.
وفي الفقرة أكثر من نقيصة، الواحدة منها كفيلة بالإطاحة برسالة الماجستير كلها، فهناك الكذب والتدليس، المتلبس بنظرة تعصبية ضيقة للغاية، وهو ما يظهر في العبارة التي تقول إن الجالية السورية وجدت في الجزائر "الملجأ الوحيد"، وهي عبارة يكذبها الواقع الذي يقول إن كثيرا من بلدان العالم فتحت أبوابها للاجئين، بل إن الجزائر عموما -وقياسا بمساحتها خصوصا- تعد من أقل بلدان العالم استضافة للسوريين، حيث تقول أحدث الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الحكومة الجزائرية إنها تستقبل 40 ألف لاجئ سوري، وذلك بعد مضي 7 سنوات على الحرب والدمار الذي حل بسوريا، ومع إمكانية التحفظ على هذا الرقم لدرايتنا بأن الحكومات العربية غالبا ما تبالغ في هذا الملف لتضخيم صورة تعاطفها مع الشعب السوري ومساعدته له.
وإلى جانب الكذب، تتورط الباحثتان بالتعميم الشنيع الذي يتنافى مع أي كلام منطقي فضلا عن أن يُدرج في دراسة علمية أكاديمية، حيث تصمان "الجالية السورية"، كل الجالية السورية، بالجشع وأنها لم تكتف بما يقدم لها من إعانات أو مساعدات.
وهناك أيضا، الاتهام الاستباقي والصريح والتحريض الواضح، الذي لايمكن أن نجد له نظيرا إلا في العقول القمعية المخابراتية، حيث ترمي الطالبتان كل الجالية السورية بـ"ممارسة بعض السّلوكیات التي من شأنها أن تخلّ بتوازن نظام المجتمع الموجودین فيه".
وعلاوة على كل ماسبق، يبدو مضمون الفقرة مخالفا للوقائع متجاهلا الحقائق، التي شهد بها الجزائريون قبل السوريين، من حيث اعتماد اللاجئ السوري على كد ذراعه واجتهاده، بل وحتى منافسته لأبناء البلد في مختلف ميادين النشاط الاقتصادي، ما جعل من السوريين حالة يضرب بها المثل، فضلا عن شهادات الإعلام الجزائري نفسه (على كل ما فيه من توجيه) بوجود متسولين (غير سوريين) استغلوا المأساة السورية وادعوا أنهم من أبناء سوريا ليستدروا مزيدا من أموال الناس.
وليس هذا كل ما في الصفحة 58، فقبل نهايتها اختارت الطالبتان الكشف عن هشاشة بحثهما وفقر قدرتهما التعبيرية، حتى بدتا وكأنهما محاميتان عن المتسولين "المحليين"، حيث أرجعتا ممارسة التسول من "المرأة اللاجئة السورية" إلى "تجاوب المجتمع الجزائري مع المرأة السّوریة كفرد حسّاس یثیر الشفقة أدى بهم إلى الرّبح السّریع مقارنة بأفراد الجالیة الجزائرية"، ونلاحظ هنا الهفوة التعبيرية الفاقعة المتمثلة في عبارتي "الربح السريع" و"الجالية الجزائرية"، اللتين أسقطتا آخر ورقة يمكن أن تستر بها هذه الدراسة ضحالتها وضحالة من كتبها ورضي بمناقشتها.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية