يتعايش اللاجئون السوريون في بلدان لجوئهم مع قوانين أسرية مختلفة عن القوانين التي اعتادوا عليها في بلدهم قبل أن يخيم شبح الحرب، ومنها ما يتعلق بالإراءة أو "الرؤية" للأطفال بالنسبة للزوجين اللذين وقع بينهما الطلاق.
والإراءة من الناحية القانونية تعني تمكين كل من الأبوين من رؤية ولدهما لدى الآخر دورياً في مكان وجود المحضون، ولذلك فالإراءة معاملة وليست حكماً، وليس هناك من قانون يحدد مدتها، لكن التعامل القضائي افترض في هذه المسائل أن عدد الساعات يتناسب طرداً مع عمر الطفل.
في حديقة عامة بمدينة الاسكندرية في مصر بدا عدد من الأطفال السوريين يلعبون ويلهون إلى جانب أمهاتهم وآبائهم وواقع حالهم يجسد المقولة الشائعة "الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون".
تقول اللاجئة "لينا-خ" القادمة من حمص لـ"زمان الوصل" إنها جاءت لترى ولديها (12 و9 سنوات) في الحديقة لعدم توفر مكان لرؤيتهم، لأنها تريد أن تبقى على تواصل معهم -كما تقول- مضيفة أن فرحة لقائها مع ولديها يشوبها الكثير من الأسى والألم، وخصوصاً مع وطأة اللجوء وابتعادها عن الوطن.
وعبّرت "لينا" عن حزنها لرؤية الإرهاق والتوتر على ولديها لأن جميع من في الحديقة ينظرون إليهما.
وفي ركن آخر من الحديقة جلست "م . ع" مع ابنها الذي لم يبلغ 8 من عمره، وبدت وهي تلاعبه وتحضنه، ولكنها كانت كمن يبكي بصمت ويخفي ألماً عميقاً. وروت لـ"زمان الوصل" أنها انفصلت عن زوجها بعد لجوئها إلى مصر بسنتين بسبب معاملته السيئة لها، فطلبت الطلاق ولجأت بعد طلاقها -كما تقول- لمحكمة الأسرة في القاهرة التي حددت لها ساعتين في الأسبوع لرؤية ابنها.
وأوضحت أن زوجها بعد مرور أقل من ساعة على وقت الإراءة ينتظرها عند باب الحديقة ويرمقها بنظرات غريبة فيها الكثير من الحنق والغضب حتى أن طفلها عندما يراه يرتبك ويجري نحوه.
"سمير-ش" جاء لـ"إراءة" ولده سامر الذي يبلغ 6 سنوات، قال بكثير من الأسى: "يجب أن يكون هناك أسلوب حضاري أكثر من الإراءة التي أرى أنها بمثابة "حق مكروه" فكلما أتيت لرؤية ابني تقع مشاحنات وشجارات بين الأزواج وفي أحيان كثيرة يقوم أحدهما بضرب الآخر أمام مرأى الجميع بما فيهم الأطفال".
أما اللاجئ السوري "منير" –اسم مستعار- فتبدو مشكلته أصعب من غيره ممن أجبرتهم الظروف على اختيار"أبغض الحلال"، إذ فقد أي أثر لأطفاله الثلاثة بعد أن رآهم في أحد مراكز الإراءة في مصر عقب انفصاله عن أمهم.
ويعيش اللاجئ الثلاثيني منذ 4 أشهر على أمل أن يكحَل عينيه برؤية أطفاله الذين فرّقهم عنه القانون ولم يعد بمقدوره رؤيتهم.
وتنص المادة 20 من قانون الأحوال الشخصية في مصر –كما يقول المحامي "يوسف المطعنى" المهتم بشؤون اللاجئين السوريين على أن "لكل من الأبوين الحق فى رؤية الصغير أو الصغيرة، وللأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين". وإذا تعذر تنظيم الرؤية اتفاقاً نظمها القاضي على أن تتم فى مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسياً، مضيفاً أن إجراءات الرؤية تتم بطلب يُقدم لمحكمة الاسرة الواقع في دائرتها محل إقامة الأولاد وتتم الرؤية بعد الحكم في أحد الأماكن العامة حديقة أو مركز شباب أو ما شابه.
ولفت "المطعني" إلى أن هناك اختلافات بسيطة في الإجراءات بخصوص الرؤية بين المصريين واللاجئين السوريين تتعلق بطريقة هذه الإجراءات ووقتها، وعادة ما تكون يوم الجمعة من كل أسبوع أو شهر بحد أقصى ولمدة تتراوح ما بين ساعتين إلى 6 ساعات حسب القاضي وظروف كل دعوى.
وأرجع "المطعني" ازدياد الخلافات الأسرية بين المجتمع السوري فى مصر لعدة أسباب ومنها –كما يقول- "الحالة النفسية والاقتصادية الراجعة إلى ظروف الهجرة لمصر هرباً من النزاعات المسلحة" و"اختلاف الأجواء الاجتماعية بين مصر وسوريا".
ورجح "المطعني" ازدياد حالات الطلاق في أوساط السوريين لما أسماه "تدخل دور المفوضية السامية لشئون اللاجئين، وتوفير محامين بشكل مجاني لرفع قضايا الخلع وهذا يرجع -بحسب قوله- إلى أهداف خفية وغير مفهومة، أضف إلى ذلك "ابتزاز بعض القانونيين سواء كانوا مصريين أو حتى سوريين وتعشيمهم بالقدرة على الحصول على أحكام بالخلع فى فترة وجيزة"، إلى جانب هجرة وغياب بعض الأزواج لدول خارج مصر وبخاصة داخل سوريا بعيداً عن زوجاتهم لمدد طويلة".
وبدوره رأى المحامي "خالد شاتيلا" أن "الإراءة من الحقوق الدورية المتجددة وغايتها استمرار التعاطف بين الولد من ناحية وبين كل من أبويه من ناحية أخرى وهي حق قاصر على الأبوين في حال حياتهما، أما في حال وفاتهما أو وفاة أحدهما فتحق الإراءة للجدين أسبوعياً وتتساوى حقوقهم مع الأبوين".
وأردف شاتيلا أن "الإراءة من الناحية القانونية متممة لحق الحضانة وتقع في الطرف المقابل لها، فعندما تكون الحضانة للأم فللأب حق إراءة الأطفال المحضونين، كذلك هو حق للوالدين فيما لو كان المحضون عند جدته أو غيرها.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية