محفزّات التحرك الشعبي في إيران ضد ديكتاتورية الملالي لا تقل عن دوافع العرب الذين ثاروا ضد حكامهم في ما عرف بالربيع العربي، وكل الأمل يصبّ في خانة أن لا يكون مصير أحرار إيران كمصير أحرار العرب أو كمصير تحركهم السابق في عام 2009 الذي قمعته قوات الباسيج والجيش الإيراني.
الأنباء الأولية تدل على ثورة فقراء ضد الساهرين على تجويعهم، ومقهورين في وجه قاهريهم، ولا تخلو من دعوات محملة بأفكار سياسية من خلال الدعوة للكف عن محاولات التمدد الخارجية باهظة الثمن على حساب الاهتمام بالشأن الداخلي.
إنه حدث طبيعي يقوم به بشر عاديون، فالوضع الداخلي في إيران لا يحتاج اجتهادات كثيرة وفتاوى حول ضرورة التحرك باتجاه التغيير، وأهم محاوره استغباء القيادتين السياسية والدينية للإيرانيين، وامتطاؤهم لتحقيق أهداف ومصالح لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وتسخير كل المقدرات الإيرانية (وهي هائلة) في سبيلها.
وهذا الحدث لا يخرج عن سياقات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط التي تسير باتجاه جغرافية جديدة وتغيير في مفاهيم الصراعات والجهات المتصارعة، وله وثيق الصلة بالتغيير الداخلي في السعودية المتزامن مع ارتفاع لهجة إسرائيل وأمريكا باتجاه تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة ولا سيما في سورية.
قد لا تتمدد المظاهرات، وقد لا يتمكن المتظاهرون من الوصول إلى أهدافهم في التحرر من سلطة المعممين والعسكر وتحويل المال الإيراني لخدمة أبناء البلد، لا سيما أنهم تلقوا درسا في القمع يصعب نسيانه، وربما يقتنعون بمفهوم الواقعية السياسية، المصطلح الجديد المتداول بقوة حاليا ولا سيما عند المعارضة السورية.
لا شك أنه تحرك شعبي عفوي غير مسيّس، لكن مصيره مرتبط إلى حدّ كبير بمدى الدعم السياسي والإعلامي والمادي الذي توفره له دول الجوار العربي في الخليج، وكذلك مدى جدية أمريكا وإسرائيل في إرادة قصقصة المخالب الإيرانية.
عدائية الأمريكان والإسرائيليين للنظام في إيران تبدو إعلامية فقط، أقلها حتى اللحظة، فهذا يوظف الشباب الشيعي من أي بلد في سبيل تمدد سلطته السياسية والطائفية في غالبية دول المنطقة تحت أنظارهما، وأغلب الترجيحات أنها تتمدد بموافقتهما معا.
إذا ما استثنينا قيادتي تركيا وإسرائيل فإن كل قيادات الدول في المنطقة وظيفية تؤدي الدور المناط بها، والقيادة في إيران واحدة منها، بل أهمها، وهي تمشي وفق المرسوم لها، ومن الخطأ الاعتقاد أن توسعها السياسي لا يحظى بالضوء الأخضر العالمي، ومن الواضح أن هذا اللون لا يزال سيد المشهد، ولا يمكن لثورة المقهورين في إيران الانتصار ما لم يتغير.
وكما سمح الغرب المأفون لحزب الله وبقية الميليشيات الطائفية ومن بعدهم لروسيا بوأد ثورة المقهورين في سورية، فإنه لن يتوانى عن تكليف المصارع بوتين بقمع ثورة الإيرانيين إن عجز الباسيج والحرس الثوري عن فعلها، ولن يفعل أكثر من التنديد إذا ما قصفها بكل أنواع الأسلحة، هذا في عدم حال اكتمال الدور المناط بالقيادة الملالية في طهران، أما إن انتهى هذا الدور بفعل التجاوزات الكبيرة لها وبفعل الضغوط العربية ودفع ثمن التغيير في إيران، واستعداد قيادات عربية للعب دور البطولة في المنطقة عوضا عن إيران، هنا تنتصر الثورة بأسرع وأسهل ما يمكن.
الذين ثاروا في إيران والذين سيثورون يشبهون من ثار في سورية، ونظام الحكم في البلدين يتشابه حد التطابق، ففكر القمع واحد، والمصير واحد ما لم تحدث متغيرات دولية، وهو ما لم يتضح بعد.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية