العيد شعيرة من شعائر الإسلام التعبدية. ولذلك فإن العجب كل العجب، من أولئك الذين لايصومون رمضان ثم يفرحون بعيد الفطر . مع أن الأصل أن فرحة الفطر للصائمين. وأن شعائر الإسلام يكمل بعضها بعضاً. وهذه الشعائر ليست طقوساً تؤدى مظهرياً لكنها ، أدوات تربية وتوجيه وبناء عقائدي للمسلم .وهي جميعها تشترك في ترسيخ مفهوم أساسي في عقل ووجدان المسلم هو عقيدة التوحيد وسلوك الوحدة، التي هي فرض على المسلمين حيث أباح الشارع عز وجل قتل الخارج عن الجماعة المسلمة المفرق لصفها .
والمتأمل لشعائر ومناسك الإسلام سيكتشف دون كبير عناء أنها كلها تصب في توحيد المسلمين ،وحثهم على الوحدة وتربية الشعور الوحدوي في عقولهم ووجدانهم. فعلاوة على أن صلوات المسلمين تتم في أوقات بعينها تجمع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها متجهين إلى قبلة واحدة ، فإن أفضل الصلوات هي صلاة الجماعة التي تلعب دوراً مركزياً في توطيد روح الجماعة بين المسلمين، وتنمي تواصلهم وتراحمهم .ومثل الصلاة كذلك الصيام الذي يجمع المسلمين من أقصى الأرض إلى أقصاها في توقيته ومواقيته وشعائره ، وينمي بينهم أحاسيس الرحمة والتراحم .وكذلك الأمر في الحج وسائر عبادات الإسلام، التي نظن أنها تتعرض في زماننا هذا لمؤامرة مدروسة بهدف تفريغها من مضامينها، وأبعادها التربوية والروحية وخاصة البعد الوحدوي. نقول مؤامرة لأننا نتابع الخطط المعلنة والسرية لتغيير مناهج التعليم في بلاد المسلمين وخاصة مناهج المدارس والمعاهد الدينية . كما نسمع ونقرأ التفسيرات الأمريكية وغير الأمريكية لعقائد الإسلام وعباداته.
وكيف يجب أن تكون وفق التصور الأمريكي. في زمن صار فيه بوش ورامسفيلد وغيرهما يفتون باسم الإسلام ونيابة عن المسلمين. وهي الفتاوي التي صرنا نلمس أثرها في واقع المسلمين. فهل يعقل أنه في هذا الزمن الذي تقدم فيه العلم كل هذا التقدم، حتى وطئت أقدام الإنسان سطح القمر، ووصلت فيه المراصد الفلكية إلى هذه الدقة المتناهية في رصد الكواكب والأفلاك ، أن يختلف المسلمون على مطالع الأهلة فتصبح لهم بدايات متعددة لرمضان الواحد، الذي من أبعاده أنه يوحدهم وهل يعقل أن يصبح لوقفة عرفة أكثر من يوم بحجة الاختلاف على بداية شهر ذي الحجة؟
وما معنى أن تتفاقم هذه الظاهرة وتتكرر في السنوات الأخيرة ،التي زاد فيها الخلاف السياسي بين حكام المسلمين، وتفرقت صفوفهم شيعاً وأحزابا .صار المسلمون معها شذر مذر
ولماذا هذا الإصرار على النفخ في نيران الفتنة والخلافات المذهبية والعرقية بين المسلمين؟
ولماذ الإصرار على إلباس الصراعات السياسية لبوساً مذهبياً وجعله خلافاً مذهبياً؟
ألم يحن الوقت لعلماء المسلمين من كل المذاهب كي يتحرروا من سلطان السياسة
وأن يحتكموا إلى أحكام دينهم وتعاليم ربهم.
وينحازوا إلى الحق ليحفظوا للأمة دينها. وليوقفوا عملية إفراغ شعائر الإسلام وعباداته من مضامينها. وأولها مضمون الوحدة والاتحاد. خاصة ونحن نلمس أن هذا التفريغ من المضامين يمتد إلى كل العبادات ما كان منها فريضة أو سنة . فمثلما يتم تفريغ مناسك الحج من معانيها السامية بعد أن تم تفريغ رمضان من المعاني السامية. عندما حولناه إلى شهر استهلاك وملذات وخيم رقص وطرب .
ها نحن نفرغ الأضحية من مضامينها أيضاً. ونحولها إلى مجرد صدقة ندفع قيمتها إلى هذه الجهة أو تلك لتنوب عنا بذبح الأضحية. وإذا كان هذا الأمر جائزاً للحاج بسبب كثرة الحجيج وتزاحمهم، فما هو مبرر المقيم في وطنه وأهله بأن لايقوم بنفسه بأداء نسك الأضحية؟ ومن قال أن الجهات التي تتولى ذبح الأضاحي تلتزم بالأحكام الشرعية للأضحية ؟ من حيث سنها وسلامتها من العيوب وتوقيت ذبحها؟
وكيف يتم الالتزام بتوزيع الأنصبة الشرعية للأضحية من حيث تخصيص ثلثها لصاحبها وأهل بيته، وثلثها الثاني للفقراء والمساكين، وثلثها الثالث هدايا للأصدقاء والمعارف؟ وكيف يستطيع المضحي الذي يوكل مؤسسة للنيابة عنه بذبح الأضحية تطبيق الأحكام الشرعية للأضحية من حيث رؤيته لها أو من حيث قص شعره بعد الذبح إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية للأضحية التي أفرغناها من مضامينها وأبعادها التربوية. فأحد أهداف الأضحية أن نتعلم وأن نعلم أهلنا فن الفداء والتضحية اقتداء بسيرة خليل الرحمن أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فهل يتحقق ذلك كله عندما نكتفي بدفع مبلغ من المال إلى هيئة أو جمعية أو مؤسسة لتنوب عنا بالأضحية بحثاً منا عن الراحة وهروباً من العنت والمشقة والحكمة الربانية منهما أعني العنت والمشقة سؤال نضعه أمام سادتنا العلماء. ولنذكر سائر المسلمين بأهداف الأضحية ومراميها التربوية ثانياً.
غير تفريغ العبادات والمناسك من مضامينها وأهدافها التعبدية، فقد امتد التفريغ أيضاً إلى الطقوس الدنيوية المصاحبة للشعائر التعبدية.
فالأصل في العيد أنه مناسبة للتواصل والتراحم . وهو الأمر الذي صار يتلاشى من حياتنا وأعيادنا. فخفت درجة التزاور والتواصل. وحلت محلها طقوس باردة تؤدى من باب رفع العتب. وقد شجع على ذلك إجازات العيد الطويلة التي يكاد الأردن ينفرد فيها عن سائر بلاد العرب والمسلمين. ففي الوقت الذي لا تتجاوز عطلة العيد في البلاد العربية والإسلامية اليومين أو الثلاثة وتقتصر في بعضها على يوم واحد. فإنها تصل عندنا إلى الأيام العشرة. وهي حالة تتكرر كثيراً .
مما يعني تعطيلاً لحركة الانتاج المتدني أصلاً.ويعني أيضاً تشجيعاً لهجرة العملات الصعبة جراء خروج أعداد كبيرة من الأردنيين لقضاء إجازة العيد الطويلة خارج الأردن ، بسبب ارتفاع تكاليف السياحة الداخلية، قياساً إلى السياحة الخارجية. مما يشجع الأردنيين على الخروج من بلدهم. وهو أمر يزيد من معاناتنا الاقتصادية. وعندي أنه يجب أن تبادر الحكومة إلى اختصار عطلة العيدين بحيث لاتزيد عن يومين هما اليوم الأول والثاني من أيام العيد أسوة بمعظم بلاد المسلمين . وبذلك نوقف الهدر بالانتاج ونوقف نزف العملات الصعبة. ونبقي الناس في بلدهم يتواصلون تحقيقاً لواحدة من أهم حكم العيد
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية