يعاني "أبو خليل" أحد أبناء منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، منذ حوالي الشهر من مرضٍ عصبي خطير ونادر أفقده القدرة على تحريك أطرافه السفلية، فيما دفعه الحصار وعدم قدرته على الخروج إلى مشافي النظام، إلى البقاء في منزله السكني المتواضع للراحة وتلقي أبسط طرق العلاج المتاحة محلياً.
وتحدث "أبو خليل" وهو أبٌ لثلاثة أطفال في الـ 35 من عمره، عن مرضه في تصريح خاص لـ"زمان الوصل" قائلا "مرّ حوالي الشهرين على وجودي في الفراش، لم يعد بمقدوري تحريك قدميّ، حيث أصابهما الخدر بشكلٍ كلي، والآن أنا عاجز عن الوقوف ولا يمكن لي أن أخطو ولو خطوة واحدة دون أن أقع أرضاً".
وأضاف "بدأ كل شيء بخدرٍ وإحساسٍ بوخزٍ وتنميل في أصابع القدمين، إلا أنه سرعان ما أخذ يزداد شيئاً فشيئاً، وامتد ليصل إلى منطقة الحوض، وخلال تلك الفترة عرضت حالتي على عدّة أطباء محليين، لكنهم طلبوا جميعاً صوراً طبية عبر جهاز الرنين المغناطيسي، إضافةً إلى تحاليل دموية لا تتوفر تجهيزاتها في مخابر المنطقة".
وتابع: "رغم حاجتي إلى تلقي العلاج المناسب، لكن من غير الممكن لي أن أخرج في الوقت الراهن من المنطقة، لضرورات أمنية تتعلق بالسلامة الشخصية، لذلك حاولت التنقل من طبيب إلى آخر، وهم من عدّة اختصاصات، إلى أن تمكن أحد الأطباء من تشخيص إصابتي بمرض يدعى (غيلان باريه)".
حول طبيعة متلازمة "غيلان باريه" وانتشاره، قال "علي الموسى" اسم مستعار لطبيب مختص في الجراحة العامة، في تصريح خاص لـ"زمان الوصل" إن مرض "غيلان باريه" من أخطر الأمراض العصبية التي تصيب مختلف الفئات العمرية، وهو مرضٌ عصبي يؤدي في الكثير من الحالات إلى الشلل وفقدان القدرة على السير.
وأضاف أن المرض ينتشر بسرعة كبيرة في الجسد، وربما لا يقتصر تأثيره على الشلل الكامل فحسب، وإنما يتعداه إلى شلل في الجهاز التنفسي والوجه والبلعوم والفم، ما يعني الموت في حال عدم اتخاذ إجراءات العلاج، وحينها يصبح الشفاء الكامل من المتلازمة أمراً شبه مستحيل، حيث لا بدّ أن يترك آثاراً جانبية على المصابين به، خاصة في عمليات النطق أو التوازن والحركة.
ووصف "الموسى" هذه المتلازمة بأنها مميته في بعض الحالات، لأنها تؤدي إلى شلل بالمناطق المصابة، ثم تتوسع تدريجياً لتصيب بقية أجزاء الجسد المصاب، لذلك يجب تحويل المصابين بـها إلى مستشفيات مختصة، بسبب غياب العلاج لهذا المرض في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
ووفقاً لرأي الأطباء، فإن أحد أبرز عوامل تفاقم انتشار متلازمة "غيلان باريه"، يعود إلى نقص المناعة في أجسام المصابين، ومن الملاحظ لديهم أن الإصابة بالمرض ناتجة في بعض الأحيان عن الالتهابات الفيروسية مثل التهاب المعدة والأمعاء، وفي أحيان أخرى تظهر بعد الخضوع لعمليات جراحية دقيقة.
وبالنسبة لـ"أبو خليل" فإنه لاحظ تغيراً في حالته الصحية قبل أشهر، وبين ذلك بالقول: في منتصف شهر أيلول الفائت، ذهبت مع أصدقائي إلى أحد المسابح العامة في المنطقة، ومنذ ذلك الوقت أشعر بأني لست على ما يرام، وبحسب رأي الطبيب فإن فيروساً أصابني أثناء تعرضي للمياه.
يصاب حوالي 1 إلى 2 من كل 100 ألف شخص، بمتلازمة "غيلان باريه" حول العالم كل عام، واليوم يأمل "أبو خليل" أن يشفى من مرضه النادر ليعود إلى عمله من جديد، ولا سيما أنه يعتبر المعيل الوحيد لعائلته التي تعاني كذلك من ظروفٍ معيشية قاسية، نتيجةً لضعف الدخل وارتفاع الأسعار كثيراً أمام حاجة أطفاله المتزايدة من الغذاء والدواء، ومصاريف المدارس وغيرها.
تعتمد أفضل الطرق المتبعة حالياً لعلاج المصابين بـ"غيلان باريه" على تغيير البلازما الدموية للمريض، لكن بشروطٍ صحية لا تتوفر في المنطقة، بسبب التضييق الأمني الذي تفرضه قوات النظام على دخول المواد الطبية إليها، وبالتالي يصبح العلاج في المشافي التابعة للنظام ضرورة ملحة، لكنها لا تخلو من تعرض المرضى للاعتقال أو الموت.
وأشار الطبيب "موسى" الذي يشرف على علاج "أبو خليل"، إلى أن الأخير يتلقى رعاية صحية، تقوم على إعطائه أدوية خاصة للسيطرة على المرض والحدّ من انتشاره بصورة أكبر، لكنه يحتاج إلى وقتٍ طويل نسبياً، وختم بالقول: "ليست هذه الحالة الأولى من نوعها في المنطقة، إذ سبق لعدّة أشخاص أن أصيبوا بها وكتب لهم الشفاء بشكلٍ كامل بعد تلقي العلاج".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية