أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المازوت و"بافلوف" عناصر رئيسية في انتخابات الإدارة الكردية

علق "مسلم" يده خلال المشاركة في انتخابات البلديات بعد سقوطه بتاريخ 11-11-2017

من المؤسف أن ينتفض الشعب السوري ويدفع الأثمان الباهظة لتقطف الثمار دون تعب، فئات بعينها من المتوقع أن تساعد ببقاء نظام استبدادي في دمشق، مقابل الحصول على مكاسب محدودة بإدارات محلية، كما هو الحال في إدارة شمال سوريا أو ما يعرف حالياً بـ"الإدارة الذاتية".

وهي أي هذه الفئات صاحبة مشاريع لا تشترط إسقاط بشار الأسد لإقامة كياناتها، ويمكن أن تكتفي بجزء جغرافي محدد من الأراضي السورية، وفي هذه الحالة لا يمكن أن ترى النور دون التصالح مع حكومته وأخذ موافقته أو السير نحو الانفصال، خاصة في ظل وجود روسي -أمريكي مباشر في البلاد.

الداعي لهذا الكلام، هو حديث الرئيسة المشتركة لما يسمى "الهيئة التنفيذية لفيدرالية شمال سوريا" (فوزة يوسف) بأن انتخابات الإدارة المحلية في مناطق سيطرتهم، ستكون جواباً لسنوات مضت خلال الثورة السورية، وانطلاقة لحل الأزمة السورية وحلاً ديمقراطياً لكافة "شعوب سوريا"، مشيرة إلى تزامن الانتخابات مع وجود محاولات عدة على مستوى دولي لإيجاد حل في سوريا.

من تصريح القيادية الكردية، الذي نقلته وكالة "هاوار" الناطقة باسم الإدارة الكردية، يظهر أن حزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD)، أكثر أطراف الصراع في "الجزيرة" السورية شبهاً بنظام الأسد الاستبدادي لجهة التعامل مع الشعب السوري، يريد أن يقدم مشروعه كجزء من الثورة السورية أو نتاجها، بعد تنظيم انتخابات البلدية مطلع الشهر الجاري كخطوة ثانية من أصل ثلاث خطوات نحو تأسيس هيئات ومؤسسات إقليمه الفيدرالي، سبقتها خطوة انتخابات مجالس القرى والأحياء (الكومينات) بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر الماضي، وستليها الخطوة الثالثة مطلع العام المقبل لتأسيس "مجلس الشعوب" و"مؤتمر الشعوب".

لم يشارك سكان بعض القرى العربية بهذه الانتخابات لعدم وجود صناديق انتخابات فيها، لكن نسبة كبيرة من الناس (%69 حسب إعلان الحزب) شاركوا خشية الحرمان من المازوت الذي تحتكره الإدارة الكردية منذ بداية العام الجاري، وجاءت النتيجة بفوز قائمة "الأمة الديمقراطية" أي "PYD" بـ93،6 % من المقاعد في مجالس البلدات والأقاليم في الحسكة ونحو 90% منها في الرقة وشمال حلب.

هذه النتيجة تعتبر طبيعية نظراً لاستخدام الإدارة الذاتية الكردية مجالسها في القرى والبلدات (الكومينات) -المسؤولة بشكل حصري أو احتكاري عن توفير الخدمات وعلى رأسها التعليم والمواد الغذائية وأولها مادة الخبز الشحيحة نتيجة ظروف الحرب- لجعل السواد الأعظم من الأهالي في مناطق سيطرتها حتى الحاقدين عليها ينصاعون لأوامرها واقتراحاتها، خاصة إذا علمنا أن معظم الموظفين بريف الحسكة هم معلمون يتقاضون رواتبهم من الإدارة الكردية، لذا كلفوا بالقيام بأعباء العملية الانتخابية كاملة.

وبالعودة لمادة المازوت، أهم المواد خلال شهر الشتاء، فإنها المحرك الأبرز للانتخابات، وربط حصول الشخص على مادة المازوت بالمشاركة في الانتخابات في مراحلها الثلاث، هو تجسيد لنظرية العالم الروسي "إيفان بافلوف" صاحب جائزة "نوبل عام 1904"، والذي طور مفهومه حول الاستجابة الشرطية من خلال أبحاثه المشهورة على الكلاب.

وكانت مجالس الإدارة الكردية شرعت الشهر الماضي بتوزيع مادة المازوت بمعدل 200 لتر لكل دفتر عائلة بقيمة 8500 ليرة سورية، ويرى مراقبون أن هذه العملية كانت الدعاية للانتخابات نفسها بمعزل عن الدعاية الانتخابية للمرشحين، الذين انتظموا في قوائم حزبية باستثناء العرب، كانوا قلة قلية لا تتعدى عشرات المرشحين في كل منطقة مقابل المئات في قوائم الأحزاب الكردية، التي تبنت مستقلين عربا لضمان أصوات عوائلهم وعشائرهم للقائمة.

وفي كل الأحوال، فإن الوسط العربي بمحافظات الجزيرة السورية عامة، لا تنظمهم أحزاب أو نقابات أو جمعيات حقيقية أو حتى صورية، على عكس الوسطين السرياني والكردي، فهو بيئة خصبة لاستثمار التنظيمات والأحزاب والتيارات، لعدم وجود كتل صلبة ضمنه تحميه من التشتت أو الخضوع المطلق لضغوط سلطات الأمر الواقع المتعاقبة، كما ظهر إبان حكم نظام الأسد ثم تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى أن سيطرت القوات التي يقودها حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي على مناطقهم.

كذلك يمكن القول إن خطوات الترغيب للسكان المناطق العربية في الحسكة والرقة ورفع شعارات الديمقراطية و"أخوة الشعوب"، جاءت بعد فصول ترهيب صُب خلالها الكثير من العنف على رؤوس سكان قرى عارضت وجود قوات الإدارة الكردية فيها، ضمن ما يعرف بأسلوب "العصا والجزرة"، فسبق أن عملت الأجنحة العسكرية والأمنية التابعة لإدارة الذاتية على ترويض أهالي مناطق جنوب مدن القامشلي والحسكة ورأس العين وشمال الرقة، عبر قتل كل من يقاوم -بغض النظر عن الفصائل- واعتقال الرافض وهدم وتدمير قرى شهدت معارك سقط فيها قتلى من عناصر هذه القوات، حتى بات السكان من شدة هول العقاب، يخشون الكلام أمام أي كردي خشية أن يكون من أنصار حزب "الاتحاد الديمقراطي" أو منتسبا لاستطالاته الأمنية أو العسكرية أو الاستخباراتية.

هنا، تتبع الإدارة الكردية على ما يبدو خطوات الأنظمة الاستبدادية الشمولية وأساليبها في ترويض الشعوب ورفض الرأي الآخر، عبر القسوة الشديدة واستعمال العنف لتوليد الخوف من القتل والسجن أو فقدان مصدر العيش وأسباب الراحة، لتكون احتمالات الثورة والتمرد معدومة، من خلال مسايرة الشعوب لمطالب الحكام والحصول على ثواب يرونه مقبولاً مقارنة بوحشية العقاب.

كما سبقت هذه المرحلة (الترغيب والتقرب)، مرحلة تطويع السكان لقبول دفع الضرائب والإتاوات ورسوم استخراج أوراق تتعلق برخص البناء والقيادة وغيرها، من خلال احتلال الدوائر الرسمية ومؤسسات الدولة كالمدارس والمستشفيات والمخابز، عقب إعلان حزب "الاتحاد الديمقراطي" وحلفائه في "الإدارة ذاتية" عام 2014، في مناطق "الجزيرة" شمال محافظة الحسكة، و"كوباني/عين العرب" و"عفرين" بحلب.

محمد الحسين - زمان الوصل
(93)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي