أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

يوم الحذاء العالمي ... نضال نعيسة

 أدري إّذا كان الكلام صحيحاً، أو أنه من قبيل المبالغة الإعلامية الحماسية المفرطة والبحتة التي تعكس جانباً هاماً من الاستجابات الفطرية المبطنة في أعماق اللاوعي الجمعي العام لشعوب المنطقة حيال حدث يتعلق بواحد من قطاع الطرق الدوليين ومجرمي الحرب الكبار في التاريخ، بأن أحد الميسورين العرب كان قد دفع في أحد المزادات التلفزيونية مبلغ عشرة ملايين دولار كثمن لحذاء منتظر الزيدي، الذي أبى- الحذاء- أن "يتلوث" بوجه بوش، فحتى الأحذية، و"يا ربي دخيلك وسبحانك ما أعظم حكمتك"، ترفض أي احتكاك أو اقتراب من رموز الكهنوت والطغيان والإجرام العالمي الذب لا يستحق أكثر منه،  وتصر على أن تبقى مجرد "صرامي" في أرجل الناس على أن تتدنس بوجوه الغزاة، فذلك أشرف لها على كل حال، فيما أصر شيوخ وصعاليك الأعاريب الأشقياء على رقصة السيف معه واستقباله استقبال الفاتحين الأبطال .

ورواية المزاد إن دلت على شيء فإنها تدل على مدى الأهمية الرمزية والقيمة المعنوية التي اكتسبها ذاك الحذاء الصفعة في لقاء الصفقة لشرعنة الغزو والاحتلال، رغم أنه لم يصب وجه بوش، وأصر على أن يبقى نظيفاً عفيفاً.

وبغض النظر عما أثاره المنظر من هلع وخوف وحزن وأسى في نفوس أيتام بوش في المنطقة، (بعض المنابر السورية، ويا حرام، ومعها سلة فضائيات البترودولار وكتابها وغلمانها، اعتبرت الحدث إهانة شخصية خاصة بها وتجاهلته من الأساس، وكأن على رؤوسها الطير أو "كأن العرس لجيرانها"، كما يقول المثل الشعبي، رغم أنه شغل العالم من أقصاه لأقصاه)، وإذا كانت بعض القوى المعروفة في المنطقة قد أعلنت الحداد العام، ولعنت حظوظها وأقدارها، ونكـّست الأعلام والجباه حزناً على كبيرها الذي علمها السحر واللعب بـ"الثلاث ورقات" أم لا، فإنه بحق سيبقى الحدث الأبرز في هذا العام، يوازي، ربما، سقوط بغداد نفسه من حيث الرمزية المعنوية، ويعتبر رداً معنوياً ورمزياً كبيراً عليه، كونه جاء بالضبط، وتزامن مع نهاية حقبة بوش العدوانية التي لا تستأهل أكثر من هذا الحذاء لتوديعه بها.

 

اعتادت مجلتا النيوزويك والتايم الأمريكيتان الأشهر، وهما الذراع الإعلامية للعولمة الإعلامية الأمريكية وتعكسان عادة وجهة نظر التروستات ولوبيات الضغط الرأسمالية والسياسة الرسمية الأمريكية وتوجهاتها، اعتادتا أن تعلنا على غلافهما شخصية العام لكل سنة، والتي تكون، على الأغلب، أكثر الشخصيات تأثيراً وطغياناً على الحدث.

 ولا أعتقد، وبكل تجرد ومن وجهة نظر جد خاصة، أن هناك شخصية "اعتبارية" أكثر من حذاء منتظر الزيدي الذي يجب أن تحتل هذه المكانة المرموقة وتشغل غلاف هاتين المجلتين، معاً، هذا العام كونها هزت البنيان الأمريكي الروحي والأخلاقي من أساساته، إضافة للهزيمة العسكرية النكراء التي تلقتها قوات الاحتلال على الأرض التي أصبحت مع حكومة الدمى حبيسة المنطقة الخضراء( هل سمعتم عن قوة احتلال في التاريخ تحبس نفسها في منطقة وتخشى الخروج منها؟)، فإن رشقة الحذاء هذه هي بمثابة رصاصة الرحمة، وإعلان الهزيمة الأخلاقية الكبرى والانهيار والسقوط المعنوي لرمز هذا الاحتلال مجرم الحرب جورج بوش.

 

كما يؤمل، ويتمنى كثيرون ممن تابعوا الحدث، وعلى صعيد دبلوماسي آخر، أن يتم التنسيق والعمل، وتكثيف الجهود الأممية، لاعتبار يوم الرابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، يوماً للحذاء العالمي باعتباره أصبح، ومنذ رمية الزيدي الشهيرة، رمزاً لمناهضة الاحتلال، والغزو، والعدوان على الشعوب الآمنة والبريئة، وعلى أن ترفع بها صورة هذا الحذاء جنباً إلى جنب مع علم الأمم المتحدة، لتكون درساً وعبرة لكل من تسول له نفسه من الغزاة أن ينتهك أراضي الغير ويهدد أمنها وسلمها الوطني، أو يفكر بنهب ثروات الشعوب الأخرى تحت يافطات الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وأزعومات أخرى لا تقل نفاقاً أو رياء كنزع أسلحة الدمار الشامل أو الإصلاح.

 

من كان يدري أن مجرد حذاء صحفي بسيط وفقير ومغمور، ومن عامة هذه الشعوب الفقيرة الناطقة بالعربية، ويعمل مراسلاً في قناة شبه مغمورة سيبلغ هذه الشهرة والمكانة الرفيعة ويحتل مكان الصدارة من الحدث والشهرة والأخبار ويصبح مـُلهما للشعراء والمبدعين، ومادة دسمة  للصحفيين والمعلقين والكتاب؟ وأين، وكيف، ولماذا  انزوت خجلاً قصص مليارات البزنس، وعقود اللؤلؤ الطبيعي والألماس لملكات الإغراء والفاتنات، وأخبار الجميلات، وملابس الأثرياء، وكرافيتات المشاهير، ويخوت المليارديرات، وفتاوي الوعاظ والفقهاء، وأبراج الأعاريب، و"كشختهم" وسوالفهم المخزية والمبكية ومسابقات الهجن والبعير والحمير في الصحراء، وسيارات أبطال السباق، والقصور الخرافية الطائرة في الهواء، ولهو الأثرياء ، وحفلات المجون، وبطر شيوخ الأعاريب، وقلاع المافيات المحصنة، وأرصدة اللصوص الكبار، ومؤشرات البورصات وصفقات النهب والاستثمار والمشاريع الوهمية "في المشمش والهواء"، وأخبار بارونات السياسة ولوردات الأعمال،؟ هل طغى عليها جميعاً هذا الحذاء؟ 

 

إنه يوم الحذاء العالمي، وأي حذاء؟

 

(136)    هل أعجبتك المقالة (143)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي