عصف الغلاء بمجمل تفاصيل الحياة السورية، وما كان بالأمس ممكناً للسوريين بات اليوم من المستحيلات، ومن الأفضل للكثيرين السكوت على أوجاعهم بدل أن يستدينوا أجور العلاج خصوصاً في الأمراض التي يعتبرونها موسمية أو غير مميتة كأمراض الشتاء والبرد، وأما ما يتعلق بالأمراض الخطيرة فالبعض ربما يموت دون أن يحصل على من يرعاه في مرضه، والعمليات الجراحية ذات تكلفة باهظة لا يقدر عليها أغلبهم.
جريدة "تشرين" الحكومية تناولت الغلاء الذي يضرب قطاع طب الأسنان في سوريا، والذي يعتبر من القطاعات المهمة والتي كانت ميسرة قبل الحرب، إذ بإمكان المريض دفع تكاليف العلاج بالتقسيط أي على دفعات، ولكن ما شهده هذا القطاع في السنوات الأخيرة جعل المرضى يشكون حتى من عدم قدرتهم على تسكين الألم والذي كان متاحاً بتكلفة سهلة ورخيصة.
تحت عنوان (تسكين ألم ضرس ب5000 ل.س والتقويم يحتاج قرضاً) التقت الجريدة عدداً من المرضى الذي طرحوا مشاكل طب الأسنان في سوريا من باب ألمهم في الحصول على العلاج، وقالت الصحيفة في مقدمة التحقيق الصغير: "أصبحت الزيارة إلى طبيب الأسنان تحتاج إلى جمعية أو استدانة من الأقارب، إذ تكفي زيارة واحدة لعياداتهم حتى تنتهي الميزانية الخاصة بذلك، فالفاتورة تبدأ من خمسة آلاف ليرة في حال تسكين آلام ضرس هذا من دون معالجة أو سحب عصب أو حشوة …الخ، فكيف إذا كان تركيب تقويم أو زرعاً فإن ذلك سيكلف المريض سحب قرض أو جمعية حتى يتمكن فقط من إنهاء آلامه وأوجاعه".
أطباء الأسنان الذين وصفوا بالجشعين بحسب أحد المرضى باتوا يطلبون أسعاراً باهظة، ويستغلون حاجة الناس للعلاج، وحجتهم في ذلك قلة المواد الأولية وارتفاع أسعارها.
بعض المرضى قالوا إن الأطباء يشخصون بشكل خاطئ حالاتهم المرضية من أجل أن يحصلوا على مبالغ كبيرة في العلاج وهي بالكاد تكون بحاجة إلى علاجات بسيطة لا تكلف كثيراً.
أما أطباء الأسنان فلهم حججهم الواهية والحقيقية في سبب ارتفاع الأسعار، وهم يضعون اللوم على غلاء أسعار المواد الأولية والضرائب التي تفرض عليهم سواء من النقابة أو البلديات، ولذلك يكون المريض وحده من يدفع ثمن هذه العقبات الاقتصادية.
بدورها نقابة أطباء الأسنان لم تنفِ هذا الغلاء وعزته إلى ارتفاع الأسعار إلى أكثر من 12 ضعفاً منذ بداية الحرب، وبالرغم من ذلك فما تزال العلاجات السنية في سوريا أرخص من دول الجوار بحسب النقابة.
أما أسعار المواد الداخلة في العلاج فقد ارتفعت بمقادير مضاعفة، فمثلاً وصل سعر المخدر إلى 7 آلاف ليرة بينما قبل الأزمة كان سعره يتجاوز 300 ليرة سورية، وكذلك مواد التعقيم ارتفعت 12 ضعفاً بحسب النقابة.
في البدائل الممكنة للعلاج الرخيص هناك مستوصفات الدولة وكلية طب الأسنان التي لا تأخذ من المريض سوى سعر المواد الداخلة في تركيب الأسنان مع ذلك يشكو المرضى من غياب الخبرات في هذه الأماكن كونها تقدم خدمات مجانية أيضاً مما يجعل الخدمات فيه غير جيدة وبدون ضمير على حد رأي أحدهم.
بين النقابة وأطبائها والأسباب التي يوردها الجميع للواقع السيئ لهذا القطاع يبدو المواطن الحلقة الأضعف، والذي يرى الأمر من زاوية بعيدة عن هذا الصراع، فهو بالكاد يستطيع أن يجري العلاجات الخفيفة لأن دخله بسيط، ويرى في كل ما تقدم استغلالاً وجشعاً لا يمكن ان يحميه منه أحد.
يرى أحد المعلقين على المادة أن هذا جزء من حالة الجشع العامة التي تمر بها كل المهن، حيث لا ضوابط ولا قانون وليست وحدها مهنة طب الأسنان في ذلك (مو بس أطباء الأسنان كل البلد جشعه).
إحدى الطبيبات دخلت في السجال واتهمت المواطن بالإهمال وأن أسعارهم أرخص من أسعار الدول المجاورة، حيث العلاج بالدولار: (لانو درسنا 5 سنين وتعزبنا وتعبنا مشان حضراتكن تجو تقولو نصابين .. أجور أطباء الأسنان عنا بالبلد أقل بلد بالعالم يمكن .. ياريت تروحو برا وشوفو ... شعب مهمل بيترك سنانو شي ببكي وبفرشيهن بالسنة مرة وبعدين بقول الدكاترة نصابين".
علق البعض أنهم بالرغم من هذه الحالة السيئة هناك بعض الأطباء ممن سماهم (بيخافو الله) موجودين ويقدرون أوضاع الناس، ويعالجونهم بأسعار معقولة وبالتقسيط.
بينما طال آخرون بتدخل جهات أعلى من نقابة أطباء الأسنان من أجل وضع حد لما يجري، فراتب المواطن الشهري يكفي لإصلاح 4 أسنان: "طيب ولله الراتب كله ما بكفي تصليح 4 سنان طيب النقابة عم تبرر ليش لأنه أصلا رئيس النقابة طبيب بتضربولو مصالحة لازم يكون في ناس أعلى من النقابة وبتخاف الله وتحط تسعيرة".
طبعاً هذا ما يحصل في مناطق سيطرة النظام أما في مناطق سيطرة المعارضة، وعلى بعد كيلومترات قليلة، ليست أوجاع الأسنان هي التي تشغل بال المحاصرين، وتشهد مدن الغوطة الشرقية على سبيل المثال حالة تجويع كبيرة بلغت حد مناشدة منظمات أممية بأن أهلها باتوا يأكلون من القمامة ويتناوب الأبناء على الطعام خشية الموت، وهذا يأتي مع ارتفاع في حالات الموت الناتجة عن الحصار بين الأطفال خصوصاً في الأشهر الأخيرة من هذا العام مترافقة مع زيادة حدة القصف على الأحياء السكنية.
ناصر علي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية