اختارت الفنانة السورية "فلك الغزي" النار واللهب المنبعثين من الشمع المحترق كتقنية فنية تجسد من خلالها معاناة السوريين وتشبثهم بالحياة، وإيصال صوتهم إلى العالم، حيث تترك لهباب الشمع (الشحار) أن يكوّن على سطح الورقة البيضاء أطيافاً وملامح لشخوص إنسانية أو كائنات غير آدمية، ثم تقوم بإضافة بعض اللمسات الفنية باستخدام الأقلام والريشة بعفوية ومهارة.
ولدت الفنانة "فلك" في دمشق 1979، ودرست الفنون في معهد إعداد المدرسين، ولكنها لم تعمل في التدريس مباشرة لأن طموحها كان –كما تروي لـ"زمان الوصل" أن تشتغل في مجال الرسوم المتحركة وعملت بالفعل لثلاث سنوات في شركة "النجم" للإنتاج السينمائي الخاص بالأطفال كما اشتغلت برسم قصص طفلية لعدة دور نشر محلية وعربية.
بعد اندلاع الثورة انتقلت الفنانة الدمشقية إلى تركيا وعملت صيف عام 2015 في ناد صيفي في مدرسة سورية باسطنبول، كما درّست الفنون للصفوف من الروضة حتى الصف الثامن هناك، وصادفت فيديو للرسام الكندي "ستيفن سبازك" يستخدم تقنية لهب الشمع في رسم لوحات معبرة.
وأحست -كما تقول- بالنار التي تشتعل بداخلها، وتذكرت الدخان الأسود الذي كان ينبعث بعد كل تفجير، فأرادت أن تجسد ذلك بلوحات فنية جميلة على الورق بهدف التعبير عن معاناة الشعب السوري من خلال الدخان واللهب.
وتعتمد هذه الطريقة من الرسم –كما توضح- على الشمعة والورق الأبيض المقوى، ومن خلال تسليط اللهب إلى السطح الأبيض على مسافة مدروسة يتم تحديد الشكل الأولي للوحة ثم تكمل التفاصيل المطلوبة عبر فرشاة صغيرة أو ريشة عصفور.

ولفتت فلك إلى أن مفاجآت عدة واجهتها خلال الرسم باللهب وخاصة في بداياتها، إذ كانت الورقة تحترق عند توجيه لهب الشمعة إليها، وكانت تضطر للعمل على اللوحة من جديد، ولكنها استطاعت بالمران التغلب على هذه المشكلة بتحديد المسافة المطلوبة تقديرياً، مشيرة إلى أن التحدي الأكبر الذي واجهها هو الحفاظ على اللوحات بطريقة سليمة وبعد تجارب عديدة ومن خلال استخدام المثبتات ورذاذ "الورنيش" توصلت لنتيجة مرضية للحفاظ عليها.
والى جانب لوحاتها "الشمعية" برعت الفنانة "فلك الغزي" بالحفر على البيض، وهي الفكرة التي راودتها منذ سنوات، وعند قدومها إلى اسطنبول، ومشاهدتها لفيديوهات تعليمية تشرح هذا الفن تشجعت لتطبيق الفكرة، وكان هدفها –كما تقول- تنفيذ نماذج فنية وإهدائها لأناس مميزين ممن تعرفت عليهم في اسطنبول، ولكنها أرادات فيما بعد تطوير هذه الفكرة وتحويلها إلى مصدر مادي في ظروف اللجوء الصعبة وخصوصاً بعد أن لمست ردة فعل الناس ممن أُهديت لهم هذه الأعمال.

وأول مرحلة في الحفر على البيض–كما تقول محدثتنا-هو اختيار البيضة من البازار أو السوق واختبار ملمسها ونوع القشرة والحجم، ثم تقوم بتفريغها وتنظيفها وبعد انتظارها حتى تنشف تأتي مرحلة التصميم والحفر ثم مرحلة التنظيف النهائية بعد إنجاز القطعة وتغليفها وحفظها من الكسر ثم تقوم تالياً بتصميم حامل البيضة ليتم عرضها بشكل جميل ومميز.
وبالإضافة للحفر المباشر على البيض لجأت الفنانة الثلاثينية إلى تقنية جديدة تمثلت بدمج طبقات من قشر البيض المكسر مع مادة "الريزين" في تشكيل الوجوه، ومنها لوحة شخصية لها ولوحات أخرى تمثل ورق الشجر بألوان الخريف المتدرجة، مشكلة منها فستاناً زاهيا لفتاة، ودمجت في لوحات ثانية بين قشر البيض وورق الشجر وتغليفها بمادة الـ"resin".
وتطمح الرسامة السورية إلى إيصال صوت السوريين إلى العالم لتثبت –كما تقول- أنهم شعب يمتلك إرادة الحياة، عصي على الاستسلام ولديه قدرات وإمكانيات هائلة للصمود رغم كل ما يحيط به من فناء ودمار.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية