شغلت طفلة لم تتجاوز الرابعة من عمرها أهالي مدينة السلمية (شرق مدينة حماة) طوال الايام الماضية بغيابها المفاجئ والعثور عليها في دمشق.
وكانت الطفلة "رنيم بسام نزال" قد ذهبت لتشتري حلوى من محل قرب منزلها، فاختفت ليُعثر عليها بعد أيام على باب الجامع الأموي بدمشق.
وروى والد الطفلة لوسائل إعلام محلية أنه وجد على شرفة منزله ورقة مكتوبا عليها "إن أردت أن تجد ابنتك اذهب إلى الجامع الأموي بدمشق"، فسارع مع زوجته للتوجه إلى دمشق، وقصدا الجامع الأموي ليجداها جالسة على الرصيف.
هذه القصة الغريبة أعادت إلى الأذهان ظاهرة اختفاء الأشخاص من أطفال وكبار سن التي تفاقمت مع اندلاع هذه الحرب.
واختلفت قصص تغيب هؤلاء باختلاف أعمارهم وحالاتهم العقلية وظروفهم الاجتماعية والنفسية، مع الإشارة إلى أن غياب الذكر ليس كغياب الأنثى بالنسبة للأسرة في المجتمع السوري.
(غ ، أ) صبية في 18 من عمرها مصابة بمرض نفسي إثر صدمها من قبل سيارة طائشة عندما كانت في السادسة من عمرها، وبعد ثلاث أشهر في غرفة العناية المشددة استعادت وعيها، ولكن هذه الصدمة أفقدتها الإدراك.
وبدأت تخرج من بيت ذويها باستمرار وتحت جنح الظلام أحيانا، ومنذ سنوات ذهبت من مدينتها حمص إلى دمشق، وظلت تائهة هناك أكثر من 20 يوماً حتى عثر عليها أهلها في أحد مراكز إيواء الفتيات بمنطقة "باب مصلى"، علماً أنها لم تكن تحمل ما يثبت شخصيتها، وهذا ما صعَّب مهمة التعرف عليها والاستدلال على ذويها.
وبعد هذه الحادثة أصبحت (غ، أ) شبه عادية ولم تعد تخرج من منزل ذويها أو تسبب المتاعب كما يقول شقيقها (ع، أ) لـ"زمان الوصل".
أما (س، خ) الشاب المصاب بمرض نفسي منذ ولادته فقد خرج من منزل ذويه في ريف حمص الشمالي، وبدؤوا رحلة البحث المضنية عنه في كل مكان رغم صعوبة الأوضاع الأمنية وانتشار حواجز النظام -كما يقول خاله أبو أيمن الحسين- وتم الإعلان عن فقدانه في كل أنحاء ريف حمص الشمالي وبعض المناطق المجاورة بمختلف الوسائل وعلى صفحات التواصل الاجتماعي دون جدوى، وبعد عامين من تغيبه صادفه في إحدى حدائق مدينة حماة القريبة من حمص شخص كان يعمل بستانياً في مزرعة أهله قبل الحرب فقام بإبلاغهم.
وأضاف محدثنا أن عائلة الشاب وضعوا على صدره لوحة معدنية وتم وشمه في ساعده الأيمن بعبارة تبين اسمه ورقم هاتف ذويه لكي لا تتكرر تجربة ضياعه، ومنذ ذلك الحين لم يخرج من المنزل - كما يقول خال الشاب العائد- بل إنه اكتسب صفات جيدة في التعامل والسلوك لم يكن يعرفها من قبل.
أبو عبدو السعيد معقب معاملات سابق رأى أن هناك حالات كثيرة قد تكون سبباً في فقدان أو ضياع شخص ما، ومنها الإعاقة الذهنية التي قد تكون ولادية أحياناً أو نتيجة حادث صدم أو ضربة على الرأس أومن جرَّاء صدمة نفسية ما نتيجة ضغوط أو ظروف اجتماعية غير طبيعية، وبخاصة في ظروف الحرب.
وبدوره يرى السيد "نزار فياض" صاحب مكتب تجاري أن لرفاق السوء دورا كبيرا في انسياق الشباب وراء رغباتهم وأهوائهم، ولا ننسى –كما يقول- ما تبثه بعض الفضائيات من أفكار غريبة وشاذة أحياناً تجعل من هؤلاء الشباب فريسة سهلة للضياع وتصور لهم طريقهم مفروشة بالأزاهير والأحلام الوردية.
استشاري البرمجة العصبية "شجاع الفهد" يرى أن عملية الفقدان الناجمة عن حالات الهروب من المنزل تنطوي في معظم الأحيان على الشعور بالرفض لسلوك شخص (أو أكثر) في الأسرة، مضيفاً أن "ثقافتنا الجمعية لا زالت للأسف لا تفصل بين الشخص وسلوكه، حيث البداية تكون مع رفض سلوك الشخص ومع التعميم تبلغ المأساة ذروتها، برفض الشخص ذاته رغم أن كل واحد يطالب الآخرين بقبوله ولكن عندما يتعلق الأمر عنده بقبول الآخر فالأمر مختلف تماما.
وأردف "الفهد" موضحاً أن "هروب المراهق أو المراهقة السوييّن أو المضطربين نفسياً هو علامة ومؤشر على أن هناك اعتداء سافر على استقلاليته الطبيعية في المنزل ومحاولة ما للتسلط عليه برفض الحوار معه أو فرض متكرر لمحظورات (سواء كانت هذه الأمور حقيقة أو موجودة فقط في مخيلة المراهق)، والنتيجة هنا اختلال توازن في حياة هذا المراهق وأسرته، وحالة التمرد- الهروب هذه إن لم يتم تداركها قبل وقوعها بالحوار والتفهم لمتطلّبات هذه المرحلة العمرية فإنّها ستفتح الباب على مصراعيه أمام حالات تمرّد لاحقة، بدأت هنا بالهروب من المنزل، ولن تكون القطيعة النفسية أو المكانية بعد سنوات.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية