أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حيّ على السّلاح.. عبد السلام حاج بكري*

أرشيف

خرج المؤتمرون في الرياض ببيان يمكن وصفه بالجيد رغم ما يحتويه من عبارات مطاطة تحتمل التأويل متعدد الأوجه، فلم يفرّط كتابيا بأهم مطالب السوريين، ويبقى التساؤل عن كيفية تعامل الطرف الآخر والأطراف الفاعلة معه، وفيما إذا كانت ستخفض سقفه أو تنسفه نهائيا.

على الصعيد الإعلامي، استمر خطاب المعارضين ملتزما بلاغيا، ولم يخل من بطولات دونكيشوتية، لم يحصدوا من بعده سوى الهزيمة والتنازلات المتلاحقة، وكانوا يخرجون من كل مؤتمر أو لقاء وقد خسر السوريون جولة جديدة في مواجهة الأعداء على الأرض، وكانت الهزائم تأتي متوازية مع مفاوضاتهم، حتى يمكن القول إنهم بحثوها مع ممثلي النظام واتفقوا عليها تحت الطاولة، ليخرجوا مستمرين في بطولاتهم الإعلامية.

في الرياض، فاوضوا أنفسهم وبحثوا قضية وفدهم إلى جنيف فيما بينهم، وإذا استثنينا البيان الختامي الذي تمت كتابته قبل اللقاء، فقد حضر كل شيء ما عدا الثورة وشؤون السوريين، اختلفوا على توزيع الحصص في الوفد، هددوا بالانسحابات، تبادلوا التهديد بما هو أكثر من ذلك، وسّعوا الوفد، وضيّقوه، تنصلوا منه، وتفاخروا به.

وفد الرياض إلى جنيف يمثل غالبية السوريين مع أولئك الذي ينتمون للطرف الآخر، ففيه جناح ينتمي للمخابرات الجوية وبقية الفروع الأمنية، وجناح لا يطلب شيئا سوى إنهاء الأزمة حتى لو بقي المجرم في محله، والمحتل في الأرض التي قتل أهلها وشردهم، باختصار هذا الجناح يسعى لبعض المناصب في حكم سورية، أما الجناح الثالث فهو الذي لا يزال متمسكا بشيء من أحلام السوريين، لكنه يبدو مقطوعا في صحراء كما تلك التي تحيط بالرياض.

تبدو مثيرة للاشمئزاز تلك التصريحات الإعلامية المتناقضة التي سيخرج بها أعضاء الوفد عند عقد المؤتمر، فأحدهم سيدافع عن النظام أكثر مما سيفعل وفد النظام ذاته، وآخر سيكون براغماتيا يدعي الواقعية السياسية، وثالث سيتوقف البث قبل حديثه وهو يصف حال السوريين وينقل رغباتهم.
حصة النظام في وفد المعارضة تساوي تماما حصة السوريين، وستقف إلى جانب وفده من الجهة المقابلة، وهذا ليس بالغريب على المنتصر الذي وقفت معه كل حثالات العالم وغضّ البقية الطرف عن كل جرائمه، وقد يكون باركها دون تصريح.

روسيا التي ضغطت لتشكيل وفد معارض ليّن، وإيران التي تتمدد على الأرض، والنظام الذي ظهر منتصرا على الإرهاب، لن يعطوا ذلك الجزء الصغير من وفد المعارضة شيئا يملكونه، ولا يملك هو سوى الصراخ، رغم أنه صوت غالبية السوريين، لكن المهزومين، والمهزوم لا يستطيع فرض شيء.

قد يكون الانسحاب من المفاوضات خير من المشاركة فيها، فهي إن أسفرت عن شيء، سيكون تتويج المنتصر، أو العمل على صنع انتصار ميداني يسبق انعقاد جنيف.

بما أن غرف الدعم العسكري لن تؤيد معارك جديدة، فالبديل يجب أن يكون بعيدا عنها، عبر عمليات خاطفة ضد نقاط صغيرة لمواقع النظام والميليشيات الطائفية والشرطة العسكرية الروسية تتسبب بخسائر كبيرة، دون مواجهة مباشرة من ذلك النوع الذي يسبقه الضجيج الإعلامي.

لن يتحمل أعداء السوريين خسائر كبيرة من هذا النوع، دون أن يتمكنوا من النيل من منفذي العمليات الذين ينسحبون من أرض المعركة عقب تحقيق أهدافهم، هذا النوع من العمليات العسكرية ألحق الهزيمة بأقوى دول العالم وأرغمها على الرضوخ، كما جرى للاتحاد السوفييتي في أفغانستان، ومن قبله أمريكا في فيتنام.

يجب الضغط ميدانيا على داعمي النظام لإرغامه على التنحي جانبا، وسيهرولون إلى مفاوضات متكافئة، وغير ذلك فقد ترضى روسيا بتنحية بشار الشخص يوما ما، ولكنها كمنتصرة لن تسمح بتغيير النظام، وقد حققت بوجوده ما لم تكن تحلم به بعد انهيار السوفييتي.

*من كتاب "زمان الوصل"
(135)    هل أعجبتك المقالة (165)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي