على كرسيها المتحرك داخل بازار في مدينة إربد (شمال الأردن) تبدو اللاجئة "سماهر السمور" منهمكة هي تشرح لزوارها بحماس بعض القطع والمشغولات الفنية التي صممتها من مواد إعادة التدوير، وكيفية تصميمها، وهي الهواية التي تعلمتها وأتقنت أسرارها ضمن "فريق نساء دفي قلبك" كمحاولة للاندماج في المجتمع.
ورغم ظروفها الصحية الصعبة ومعاناتها الشديدة استطاعت "سماهر" التحرر من سجن الجسد ونظرة بعض الناس القاصرة إلى المعاق والانطلاق إلى فضاءات الفعالية وإثبات الذات عبر شخصيتها المتفائلة وطموحها غير المحدود.
ولدت سماهر في الكويت عام 1983، ونشأت ضمن عائلة ميسورة تحب الدراسة والعلم وعندما بلغت 11 من عمرها عادت إلى درعا وكانت على موعد مع القدر الذي كان بداية لنقطة جديدة في حياتها حينما بلغت 15 من عمرها إذ سقطت من الطابق الأول وأصيبت بكسر في عمودها الفقري وهرس في النخاع الشوكي أدى إلى إصابتها بشلل نصفي، لكن هذا الحادث المؤلم لم ينل من عزيمتها ولم تستسلم-كما تقول لـ"زمان الوصل"- بل تابعت دراستها وحصلت على شهادة البكالوريا بمعدل جيد، ثم واصلت تعليمها ودخلت جامعة دمشق لتحصل بعد سنوات على إجازة في الشريعة الإسلامية بمعدل جيد، ولم تتوقف طموحات ابنة "الكرك الشرقي" عند هذا الحد بل درست دبلوم تأهيل تربوي ونالته بمعدل جيد جداً، وكانت تنوي التقدم للماجستير لكن ظروف الحرب في سوريا لم تتح لها هذه الفرصة، ورغم ذلك -كما تروي الشابة الطموحة- لم تقف الحرب عائقاً في طريقها، وبالرغم من القصف كانت تذهب من محافظة درعا إلى دمشق في سيارة أجرة مع عمتها لتقدم امتحانات الجامعة بكل إصرار وتعود في اليوم ذاته إلى منزلها، وكانت تنوي تقديم امتحان اللغة بشأن الماجستير ولكن وطأة الحرب كانت قد اشتدت فاضطرت لمغادرة سوريا مع أهلها إلى الأردن.
عند مجيئها إلى الأردن انفتحت أمام "سماهر" آفاق جديدة مليئة بالنشاط والنجاحات، وهناك تعرفت -كما تقول- على أخوة وأصدقاء كان لهم فضل كبير في حياتها ومنهم "عالية البلخي" التي كان لها الفضل في تشجيعها على التطوع في مشروع تمكين الأشخاص من ذوي الإعاقة. هاندي كاب –انترناشونال-واتبعت دورات في المبادرات والتشبيك والإسعافات النفسية، كما انضمت إلى فريق التأهيل المجتمعي (السي بي ار) مع الشبكة الطبية اليابانيه (جيم نت).
ولم تُثنها الإعاقة عن إبراز إمكاناتها ومواهبها في العديد من المجالات الفنية والحرفية فانضمت إلى الفريق النسائي في النشاطات المقترحة من السي بي ار، وتكوّن بعدها "فريق نساء دفي قلبك" الذي كان نقطة البداية لها في المجتمع المضيف، وانخرطت مع رفيقاتها من ذوي الإعاقة في دورة تعليم نسيج الصوف التي امتدت لثلاثة أشهر، وتوّجت الدورة بعمل خيري للمتدربات تم من خلاله توزيع منتجات النساء على الأطفال.
لم تكتف "سماهر" بنشاط الصوف لتفريغ طاقاتها الإبداعية بل توجهت فيما بعد إلى إنجاز قطع فنية تعتمد على إعادة تدوير للأشياء واستخدامها للأفضل، وتحولت أركان منزلها في بلدة "الصريح" التابعة لمدينة إربد الأردنية إلى متحف صغير يضم عشرات القطع والمشغولات الفنية كالفازات وعلب المناديل الورقية وأصص الورود المميزة وإطارات الصور.
وإلى جانب إبداعها في المشغولات عملت "سماهر" في تقديم العديد من العروض ومسرح الأطفال والدمى وشاركت مع فريق دفي قلبك بعرض مسرح الدمى المتحركة الذي أقيم في أماكن مختلفة من مدينة إربد، وتحكي المسرحية التي وثقها الناشط "منير قداح" تصويراً عن ضرورة الاستئذان من ذوي الإعاقة قبل مساعدتهم، وكانت هذه التجربة جديدة وفريدة من نوعها –كما تقول– مضيفة أنها لم تكن تتوقع أنها ستقف في يوم من الأيام كممثلة خلف المسرح، مضيفة بحماس أن هذا المجال أتاح لها فضاءات رائعة لم تكن في الحسبان، ومكّنها من كسر حاجز الخوف الخجل بينها وبين الناس.
وأعربت ابنة "الكرك الشرقي" عن أملها بأن يكون ذوو الإعاقة أشخاصاً فاعلين في مجتمعهم ويواصلون مسيرة حياتهم ، طامحة -كما تقول- إلى تنمية مواهبها أكثر ومساعدة نظرائها من ذوي الإعاقة، بكل ما أُتيت من عزم وقوة سواء من خلال محاضرات التوعية أو في تعليمهم إعادة تدوير المواد وصناعة المشغولات الفنية الجميلة، دون أن تنسى إكمال دراستها العليا والسعي للحصول على درجة الدكتوراه في الجامعة، وختمت الشابة الثلاثينية إن "الحياة لا تتوقف عند الإعاقة ويجب علينا أن نواصل مشوارها ونعيشها بكل حب ونجاح وتفاؤل".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية