أرحت ذبيحتي وشحذت سكيني وتأهبت ـ بسم الله ـ لتمرير النصل الحاد على رقبة الخروف من الوريد للوريد.. لكن صاحبناتملص من الأيدي وانتصب واقفا على قوائمه الأربعة وقال بلسان مبين: لست زعلانا لأنني سوف أذبح فكلّ ميسّر لما خلق له.. المشكلة فيكم أنتم البشر إذ تتمتعون بلحومنا وبالطيبات من الرزق، ثم يضل معظمكم عن الغاية التي خلق من أجلها.. رفع الخروف رجله الأمامية اليمنى وأردف بحزم: وأهم هذه الغايات التحرر من الخضوع للطواغيت واقامة دعائم عالم يسوده العدل والمساواة وهذا ما يفشل أغلبكم في تحقيقه، لهذا أحمد الله إذ خلقت خروفا!
تأملت ـ مندهشا ـ المعاني العميقة في قول الخروف المثقف وقلت له: أنت لا تفهم المشكلة لأنك خروف، فغالبا هناك فرق بين ما يؤمن به المسلم في قلبه وسلوكه اليومي وهذا أس البلاء! أطلق الخروف سيلا من المأمأة المتواصلة الشبيهة بضحكة ساخرة وقال: تؤدون المناسك وتقيمون الشعائر وتعجزون رغم ذلك عن الدفاع عن أنفسكم؟ صحيح أننا نقدم رقابنا ـ طائعة ـ للذبح فهذا ما خلقنا من أجله، لكن كباشنا على استعداد لخوض مناطحة دموية مع أي ذئب متربص لو حاول اقتناص أحد الحملان الشاردة!
انتصف الضحى وتأخر وقت الذبح والتقسيم الثلاثي للأضحية وحمل حصّتي للعيال وأمهم ولا وقت عندي لمواصلة سفسطة الخرفان. أدرك الخروف ما يدور بخلدي فرقد على جانبه ومد رقبته للأمام وأغمض عينيه قائلا: أخشى أن كثيرا من مسلمي زمننا يقولون مالا يفعلون.. وأردف الخروف: إمض لما أنت فاعل ولكن حاول أن تحمي قفاك.. ماء.. مااء.. ماااء!
جريدة الوطن العمانية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية